خواطر وآراء

دبر حالك…

كلمتان تختصران الكثيرَ من الأخلاقيات والمبادئ والاحترام في مُجتمعنا الحالي. دبر حالك.. هاتان الكلمتان تجعلان شبابنا المثقف يبادر بالهجوم للصعود إلى وسائل النقل وكأنه مقاتل من إسبارطه، يدفع الكبار والنساء أو الشيوخَ والأطفال لأجل مساحة شبر من الباص أو مقعد إن كان الحظُ نصيبه.

وتعطيك معلومةً جيدة عن قدرة السائق على حشو الباص مثلَ عُلب المكدوس، نحن نتكلم هنا باختصار عن تعاملنا كمُجتمَع مع ما يُجبرنا النظام المحترم على القيام به من تصرفات وسلوكيات بهدف التأقلُم مع طبيعة حياتنا وظروفنا. يُعد النقل الداخلي أكثر ما يشغل يوميات أي مواطن في دمشق، بينما تُعتبر من المشكلات التافهة التي يَسهُل حلها عند مجتمعات دولٍ أُخرى، أما عندنا هي ضخمة لأنه ليس بوسعنا إلا الانصياع لهذا الواقع السيء، ونجد أن المجتمع أصبحَ مُتفهماً بشكل مزعج لكثير من التجاوزات الأخلاقية بسبب استمرار الرعب اليومي في توقع حدوث الأسوأ.

اتِباع أسلوب بسيط في زيادة عدد الباصات وصرف القليل من المُخَصصات في الميزانية بدل سرقتها؛ لتأمين عدد أكبر من “السرافيس” سَيحُل مشكلتنا ببساطة، وحتى في ظل هذا الوضع بإمكاننا أن نُقسِم الوسائل المتوفرة للكبار في السن والشباب بحيث نتجنب رؤية آباءنا وأُمهاتنا وكبار السن أثناء لُهاثهم خلف العملاق الأخضر ويُزاحمون شبابنا المُضطر للحاق بمحاضرته أو امتحانه أو عمله. وإنني ببساطة يمكنني فهم التشويش الذي يحدث لصالح النظام في جعل هذه الرغبات البسيطة أمنيةً لنا، وقدرة هذا الكيان على خلق التفرقة والإحباط والذُل لهذا الشعب المُنترَع من الإنسانية. عداك عما سَنَجدُه أو نَستَشعِرهُ من حكايات عديدة في هذا الباص، من قبيل صمت أُم أو أخت شهيد، أو حيرَة أُمِ مُعتَقَل أو طُفولة تبكي من شدة الاختناق أو الفرح في عيون أطفال التسوُل لِكَسبهم بعضَ المال.

إنّ هذا الواقع الذي نعيشُه يجعلُنا نَخجَل من الكلام عن الحرية أو أن نكتب عن السلام أو أن نستمع لصوت الشيخ إمام، لأننا نمارس فعل السلوكيات السالف ذكرها بوقاحةٍ وبَجَاحَة!!.

 

ناشط وعضو في اللجنة الثقافية في الحركة المدنية السورية
كلّ ما ورد أعلاه يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعكس بالضرورة رؤية الحركة المدنيّة السوريّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى