مقالات الأعضاء

العلمانية (8): مبررات الأخذ بالعلمانية (الجزء الثاني) العلمانية تساهم في تفعيل المواطنة والديمقراطية وترسيخ حقوق وحريات الإنسان:

العلمانية في الحقيقة ليست فصلًا بسيطًا بين الدين والدولة أو مجرد تحييدٍ للسلطة المذهبية وإنّما هي تؤسس للحرية الحقيقية في المجتمع وفي كل فرد عن طريق هذا الفصل والتحييد. هذه الحرية هي التي تتطلّبها الجمهورية لممارسة المواطنة والانتخاب في الديمقراطية، فالحرية تبني الاستقلالية العقلانية للإنسان عن الوصاية وعن جماعات الضغط (من بينها السلطات الدينية)، فالفرد لا يستطيع أن يمارس الديمقراطية بشكلٍ فعّال ما دام لم يتحرر من جماعات الضغط وهذا لا يحصل بدوره دون أن يحمل الإنسان في داخله أفكاره الخاصة به،  فدولة القانون تتطلب مواطنين صعبي المراس لا يخلطون الامتثال للقانون بالعبودية، وقادرين على تفعيل المواطنة القائمة على المساواة وتفعيل الحس النقدي إزاء الذين يمارسون السلطة.  لذلك فالعلمانية تعمل على تعزيز العمل الفكري الناقد لحفظ السلطة العامّة بعيدةً عن مختلف جماعات الضغط ولتحرير عقل الناس الكامن من كل احتباس أو عرقلة وهذا ما يجعلهم أسياد أنفسهم وقادرين على عيش انتماءاتهم بقدرٍ كافٍ من الحيادية والحرية، مماّ يخلق عالمًا مشتركًا يتحاور فيه المواطنون مع غيرهم بشكلٍ أفضل ممّا لو كانوا محبوسين في مرجعياتٍ حصريةٍ.

فالفكر النقدي هو الذي يؤسس الممارسة المستنيرة للمواطنة، فأن يفكر الإنسان يعني أنّه يُحاكم، والحكم هو التمييز من أجل الفصل في الأمور والاختيار. وتهدف العلمانية إلى التحرر الفكري بنفس الدرجة التي تهدف فيها إلى التحرر القانوني فهي لا تقتصر أبدًا على إطارٍ فارغ ٍيهدف إلى جعل التعددية ممكنة بل تنوي إقامة قوة الحكم الإيجابية أيّ قوة اختيار القيم التي توجه العمل بشكلٍ عقلاني ومنطقي بعيدًا عن الأسلوب الوعظي الذي يناقض الحرية.

فالعلمانية توحد الناس عن طريق تحقيق استقلاليتهم الحقيقية في الحكم على الأمور التي تؤدي إلى تكوين عالمٍ مشتركٍ بينهم جميعًا. وترى العلمانية أنّ سيادة الشعب على نفسه تقتضي بالضرورة سيادة كل إنسان على نفسه وعلى أفكاره أيّ أنّ كل إنسان يتمتع بالحرية الفكرية والأخلاقية،  وهذا ما تهدف الدولة العلمانية إلى تحقيقه عندما تركّز على حيادها المذهبي والديني وتهتم بتنمية استقلال الفكر لكل مواطن بشكلٍ فعليٍ عن طريق المدرسة، فالمدرسة في الدولة العلمانية هي ليست مجرد خدمة من خدماتها وإنّما مؤسسةٌ عضويةٌ.  فمثل هؤلاء المواطنين لا يمكن إيجادهم إلّا في حال كانت المدرسة تعلمهم ما يسمح لهم مستقبلًا الاستغناء عن المعلم عن طريق بناء محاكمتهم العقلية من خلال تزويدهم بالمرجعيات الثقافية والمعلومات التي تنمّي لديهم ملَكة النقد. فالتعليم هو العملية التي تقود إلى الاستقلالية الفعلية للمحاكمة العقلية، فتأسيس الإنسان الحرّ في الطفل ومساعدته إلى أن يؤسس نفسه بنفسه يقتضي تعزيز قدرته الشخصية على التفكير من خلال تنشئته على ثقافةٍ ترفض أيّة رقابةٍ أو أيّ حشوٍ مذهبي أو أيديولوجي.

ومن هنا تكون المناهج التعليمية في المدارس العلمانية مستقلةً بشكلٍ صارمٍ عن أيّ ولاء وتنقل أعمال الفكر البشري ومكتسباته بكل صدقٍ وحياديةٍ متجاهلةً المعوقات الدينية وغير الدينية التي ترغب في فرض نفسها على الفكر والتعليم.  ومن هذا المنظار فإنّ المدرسة العلمانية هي مؤسسةٌ هامّةٌ جدًا في انعتاق الإنسان والمواطن وفي أصل سيادته وهي التي تباشر الدور الأهم في تهيئته لممارسة المواطنة بشكلٍ مستنيرٍ.

 الحركة المدنيّة السوريّة | اللجنة الثقافيّة
لمى اللبواني (ناشطة حقوقيّة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى