مقالات الأعضاء

سلسلة الاندماج (2): أطراف الاندماج وبعض العناصر المؤثرة به

الفصل الثاني

لتحقيق الاندماج ذو التأثير الفعلي والذي يُراعي كل ما سبق، يترتب على أطراف المسألة واجبات، كُلاً من المجتمع المُضيف والأشخاص المُنضمِين له. طبعاً هنالك الطرف الذي يُعتَبَر حجر الرحى هنا وهو الحكومة في ذاك البلد والتي تقوم بصياغة سياسات التعامل مع المهاجرين واللاجئين وسن التشريعات المُتعلقة بذلك وما يترتب على هذه السياسات من نتائج قد تعود بالنفع والتأثير الداعم للاندماج أو قد تقود إلى نقيض ذلك.

والخطوة الأولى والأهم لحل مُعضلة الاندماج هي أولاً: نشر وشرح المعنى الصحيح والدقيق للاندماج كما شرحنا في التعريف أعلاه، والابتعاد عن الفهم الخاطئ والخطير ذو التبعات السلبية له، فهو ليس لتجريدك من قِيمك الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية، وليس بالمطلق هجوماً على شخصك وكينونتك الداخلية وليس لأجل ضمك بالقوة لبيئةٍ مختلفة عما تعودت عليها (فعندما نُكوِن الفهم الصحيح للمشكلة وأبعادها وجذورها والأسباب النفسية والاجتماعية التي قد تقود بعضنا للتصرف بطرقٍ معينةٍ تجاه بعض القضايا سوف نكون قادرين وبكل ثقة على مواجهة أي موقف أو أي إشكالية قد نواجهها). فبالنهاية وبكل بساطة وبلا استخدام مُصطلحات عصية عن الفهم نُعرِف الاندماج بأنه:
التوفيق لأقصى حد مقدور عليه وبقدر المستطاع بين مجموعة القيم للمجتمع المستضيف وقيم الأفراد المُنضمَة لهذا المجتمع لخلق بيئةٍ سليمةٍ وصحيةٍ تُؤمِن الاستقرار الاجتماعي للجميع.

 إذا أردنا الدقة في الحديث وأن نكون واقعيين بعيداً عن العواطف، فالعبء الأكبر في هذه المسألة يقع على عاتق اللاجئين؛ ففي غالب الأحيان يُنظَر إلينا كدُخَلاء ونحن من يجب أن يُراعي هذا المجتمع أو ذاك ولو مع ذلك، كنا قد اضطُرِرنا للتواجد في هذا المكان أو ذاك بلا إرادة فعلية، مسلوبين من قرار تحديد أين سينتهي بنا المطاف وفي أي بيئة أو مجتمع سترمي بنا أقدار الحرب واللجوء فيجب ولمستوى مُعيَن أن نرضى ونحاول التأقلم مع هذا الوضع الطارئ (والذي قد لا يكون طارئ بل دائم، تبعاً لسياسات الدول المُتحكمة بمصائر الشعوب) ولو ضَحَينا ببعض من ما توارثناه من آبائنا وأجدادنا من عاداتٍ وتقاليد (فما يُميِز أي إرث ثقافي هو قدرته على التكيف والتأقلم مع أي مُتغير).

وهنا لتبسيط المسألة يتبادر لذهننا سؤالٌ مهم وهو؛ هل يا تُرى سنرضى أن يُحاوِل أياً مَن كان أن يأتي إلى سوريا بعادات مُنافية لِما تعودنا عليه؟ أو هل سنُحاول أن نعمل سويةً لإيجاد صيغة تفاهم معينة والتي قد تُغذي كِلانا بمفاهيم جديدة ومُمتعة وقد تُشكل إرثاً براقاً يُجمِل التناغم الموجود في مجتمعنا؟ والذي يعتبر مثالاً عن التناغم الثقافي الذي يحتوي على مجموعات من الناس من خلفيات وعرقيات وديانات ولغات مختلفة (بعيداً عن سياسات نظام الطُغمة الفاشية المجرمة وتَبعات سياساته المدمرة لأي مجتمع).

كذلك يجب ألّا نتجاهل أنّ مُعظم الحضارات القديرة والتي وصلت لمراتبَ عُليا بفضل التوفيق بين عناصرها البشرية المختلفة قد قامت حقاً بالتوفيق بين مختلف هذه العناصر، وبذلك حافظت على رَونقها وبريقها المُمَيز وأسهمت بدورٍ فعّال في دورة الحياة التاريخية، وعلى نقيض ذلك فإننا نرى بوضوح أن كل منظومة أو دولة قامت على أُسُس عنصرية أو شمولية رافضة لوجود الآخر وتعمل بأجندات فاشية وترفض الترابط والتناغم والاندماج مع الآخر، قد آلَ مصيرها إلى الهلاك والاندثار واضمحلت منظوماتها إلى مصيرٍ بائس ومخزي، فجميعُنا مُدرك لمصير ألمانيا النازية في عهد الرايخ الثالث وعهد الفاشية الموسولينية في إيطاليا وفي تاريخ بلدنا وتاريخ بلدان الجوار لسنا بأغراب عما حدث ويحدث فيها.

سوف نُكمل في الفصل الثالث من هذا المقال بعض مسببات الفهم المغلوط للاندماج ومعوقاته بعيداً عن اللاجئين أنفسهم، وما قد ينتج عن ذلك من آثار سلبية قد تصل إلى مستوى خطير وتبِعات مدمِرة.

الحركة المدنية السوريّة | اللجنة الثقافيّة
آرام قبّاني (ناشط حقوقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى