مقالات الأعضاء

عن مفهوم الاندماج في أوروبا وهل اللاجئون السوريون يعانون أزمة وجود وتأقلم في أوروبا؟

مقدمة

في عصرٍ أصبح فيه واضحًا وجليًا الصدام المباشر بين القيم التقليدية للمجتمعات بما تحتويه من (قيمٍ دينيةٍ وعاداتٍ وتقاليد) ضد المفاهيم الجديدة والفلسفات الوجودية وأساليب الحياة المعاصرة المبنية على صيانة الحريات الفردية والعامة، واعتبارها القيمة الأسمى في أي مجتمع وحجر الأساس الذي يُبنى عليه مقومات أي دولة، نرى بوضوح أن هذا الصدام الحضاري والانقلابي في تاريخ البشر (منذ بداية القرن السابع عشر عامةً، وخلال القرن الحالي والسابق خاصةً، خلال الستينيات والسبعينيات بالتحديد) لم يكن مُطبّقًا وناجحًا على مستوى واحد أفقي شمل الجميع ولكن كان عاموديًا حيث تبنت الكثير من الدول هذا النهج الجديد وآمنت به كأمرٍ واقعٍ وضرورةٍ حتميةٍ يفرضها مسار التاريخ اللامتوقف، وساعدها على ذلك عدة عوامل كالاستقرار السياسي والاقتصادي في الدرجة الأولى بالإضافة لعدة عوامل لا تقل أهمية، وتربعت هذه الدول على أعلى سلم المسار الحديث السابق ذكره، بينما لم تتوفر لدى الكثير من باقي دول العالم نفس العوامل المساعدة للوصول لتلك المرحلة، وأحيانًا على العكس، واجهت هذه الدول ظروفًا أودت بها إلى آخر درجات السلم وبعضها اصطدم بقعر القبو.

وكنتيجةٍ مباشرةٍ لذلك وحتمية نرى على مدار السنين ومع ازدياد الهوة السحيقة مدى الاختلاف الكلي والشامل الذي يسهل ملاحظته وتتبع آثاره الجلية على الشعوب المختلفة والمتباينة الثقافات والاتجاه العام.

وطبعًا وكما هو معلوم فالعصر الحديث لم يأتِ فقط بقيم الحريات الاجتماعية والعدالة والمساواة ولكن أيضا أحضر معه مفاهيم الرأسمالية بأبشع صورها وكذلك الأمر (كنقيض لها في المفاهيم ولكن الشيء نفسه بالنسبة للنتائج) نرى الحركات الشيوعية السوفيتية الاستبدادية، فأدى لهيمنة أقطابٍ معينةٍ على سياسات الدول واعتبار رأس المال الآلهة الجديدة للبشر والتي تحدد مصائرهم وتعمل على تحويلهم لـ “روبوتات” مسبقة البرمجة يسهل معالجتها وتطويعها (وبالطبع نلاحظ هنا القاسم المشترك الأبرز بين الشيوعية السوفيتية والرأسمالية بالصورة الإمبريالية).

وبالتالي كل ماسبق سيجُر وقد جرّ فعليًا على العالم ويلاتٍ وأزماتٍ وكوراثٍ وحروبٍ داميةٍ وبشعة بدأناها بالحرب العالمية الأولى ونرى آخر ثمارها في غزو روسيا لأوكرانيا عسكريًا، وطبعًا مرورًا بسوريا وأزمات الشرق الاوسط، وكما هي العادة في كل هذه المجازر التي تحدث بحق البشر فالضحية الأولى هم المدنيين وعامة الناس، فنرى تَشكُل هجراتٍ واسعة الطيف لمجموعاتٍ كبيرةٍ وأعدادٍ من الناس يبحثون عن مأوى على مدار الكوكب و يسعون لإيجاد ملجأ خارج هذا الدوامة التي وجدوا أنفسهم بها فقط كصدفةٍ تاريخيةٍ لعينة، ولم تقتصر المأساة فقط على نزوحهم وحرمانهم من حقوقهم في بلادهم وخسارة أراضيهم وأملاكهم ولكن أيضًا وبلا أي إنذار وجدوا أنفسهم في مجتمعات غريبة عنهم! ذات عاداتٍ وتقاليدٍ وأديانٍ ولغاتٍ مختلفة، وأنماطٍ معيشية لم يعتادوا عليها ولم يمارسوها من قبل، وهنا على وجه الخصوص تبرز الحاجة للاندماج وفهم ما يعنيه تمامًا وعدم الخلط بين المُصطلحات؛ فضرورة تفعيل ميزاته والتمتع بما يعتبر خطوة مهمة في مسيرة حياة الإنسان الذي وجد نفسه مجبرًا وبلا أي إرادة وكضحية لعدة ظروف قاهرة على العيش في بيئاتٍ غير مألوفة له.

في المقال القادم الذي سيكون الفصل الأول في هذه السلسة سوف نتكلم عن موضوع الاندماج وتعريفاته.

الحركة المدنية السوريّة | اللجنة الثقافيّة
آرام قبّاني (ناشط حقوقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى