خواطر وآراء

الشباب السوري وسنوات الضياع…

جانب من جوانب الحرب السورية المُعتِم والمنسي هو عشر سنوات من الحرب كانت كفيلة في وَأد جيلٍ كامل وضياع سنوات حياتهم.

يقول أحد الشباب: “لقد أنهيت دراستي الجامعية في ثماني سنوات وكنت أستطيع إنهائها في أربع سنوات. تعمدتُ التأجيل وأنا أنتظر انفراجةً ما، قد تحدث إلاّ أن الأيام كانت تمر وتزداد الأوضاع سوء، وتضيع سنوات الشباب التي يكون الاعتماد عليها في بناء المستقبل كما يُقال .كنتُ أعلم في حال أنهيت دراستي أنني أمام ثلاث خيارات لم يكن التأجيل أفضلهم.

الخيار الأول أن أذهب إلى الجيش وأدخل في صراع مع ذاتي وأكون طرف في هذه الحرب وحتى إن قَبِلت بهذه الفرضية؛ فإني سأدفع عشر سنوات من عمري بلا مقابل.

الخيار الثاني أن أُسافر وأبتعد عن اهلي وأبدأ أيضاً في رحلة جديدة من إهدار عمري بِلا مقابل وخاصةً أنّ خيارات السفر باتت محدودة جداً وفرص العمل ضئيلة، ورُبما لن أجد عمل وإن وَجدت سيكون بمرتب لا يتعدى الثلاثمئة دولار يذهب نصفهم مصاريف طعامٍ وسكن لِيبقى مئة وخمسون دولار مقابل اثني عشر ساعة عملٍ في اليوم على مدار شهر، أي أنني بحاجة ستة سنوات من العمل المتواصل لأجل أن أجمع بدل نقدي أدفعه مقابل أن لا أخدم في جيش النظام وأستطيع العودة إلى أهلي وأفقد عقلي وأنا أحسُب السنوات الطويلة التي أقضيها في الجامعة وفي الغربة حتى أعود في نهاية المطاف خاليَ الوفاض، لا منزل ولا زواج ولا مستقبل.

أما الخيار الثالث، أن أُنهي دراستي وألتزم منزلي لا أخرُج منه إلى أي مكان، بلا عمل و أنتظر وأنا خائف لا أعلم متى تأتي دورية الشرطة العسكرية لتأخذني إلى السجن، ثم بعدها إلى الجيش وكُلي دراية حتى لو مرضتُ، فلن أستطيع المغامرة بالذهاب إلى المشفى. وفكرة أن أبقى حبيس المنزل إلى أجلٍ غير مسمى، يعني هذا إهداراً لما بقي من عُمري دون أي فائدة .

هذا هو حال الشباب السوري الذي لا يزال على قيد الحياة، وهذه الحكاية تمثِل كافة الشباب السوريين في مناطق سيطرة النظام. أما القاطنين بمناطق خارج سيطرة النظام؛ أي في مناطق سيطرة “قسد” أو الجماعات الجهادية أو المعارضة فَحالهم ليس بأفضل.

لسان حالهم يقول أن من مات في بداية الحرب قد ارتاح، وأمّا من بقي على قيد الحياة فإنهم أحياء أموات، وجهٌ آخر من وجوه المعاناة.”

 

رواية لأحد الشباب السوريين ممن عانى سنين الحرب على أمل العيش الكريم ولكن مازال يبحث عن سراب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى