مقالات الأعضاء

السوريون في أوروبا، هل وصلوا بر الأمان؟ أم ليس بعد؟!

كثيرًا ما تتم الإشارة من قبل السوريين إلى أوروبا بكونها بر الأمان أو نهاية الطريق، طريق العذاب والذل الذي يبدأ من سوريا ويمر بحدود الموت بين سوريا وتركيا، ويعاني عابروه الأمرّين في الطريق إلى الجزر اليونانية ويعيشون الجحيم في مخيماتها وينتهي مشوار العذاب هذا في شمال القارة العجوز، موطن الحريات وحقوق الإنسان والسلام والاحترام…

كلّ ذلك صحيح، فأوروبا قدمت الكثير للسوريين سواء من العناية المقدمة لهم منذ لحظة وصولهم إلى حين حصول بعضهم على جنسيات البلاد التي توطنوا فيها، ويعود معظم ذلك لأن الكثير من الدول الأوروبية لديها البنية القانونية السليمة والقاعدة الصلبة التي كانت عماد ارتقاء هذه الدول إلى مصاف دول العالم الأول.

ولكن… بالنظر بعيدًا عن الوجه المنّمق والوردي لأوربا، ولو نظرنا بعين الجدية والواقعية إلى ما يجري فيها من تغيراتٍ تعتبر في بعض الأحيان جذريةً نستطيع بسهولةٍ أن نلاحظ أنّ كل ذلك مرهونٌ بالسياسات العامة لكل دولةٍ على حده، وحسب الأحزاب والحكومات التي تدير هذه البلاد، بمعنى أنّ الكثير من دول أوروبا تقوم وباستمرارٍ ممنهجٍ بالانسلاخ عن منظومة الحقوق والقوانين التي بني على إثرها الاتحاد الأوروبي، وذلك نتيجةٌ مباشرةٌ لارتفاع نسبة الأحزاب اليمينية أو ذات الاتجاه اليميني، في البرلمانات وفي بعض الأحيان تسلم هذه الأحزاب لمقاليد السلطة في بعض الدول كاليونان، هنغاريا، بولندا والدنمارك، ويظهر جليًا للجميع أنّ جميع هذه الأحزاب تتخذ من قضية اللاجئين والمهاجرين مادتها الدسمة والسمكة الكبرى على موائد الانتخابات، مستغلين بذلك الأوضاع المزرية لبعض مواطني هذه الدول من جهة، ومن جهةٍ أخرى عن طريق تعزيز الحس العنصري والقومي ( الفاشية الكلاسيكية ) ونرى صعود هذا النهج بوضوح في بولندا وألمانيا كمثالٍ على ذلك.

وبما أنّ قضية اللاجئين السوريين تعتبر ( الترند ) فيما يتعلق بكل ماله صلةً بالهجرة واللجوء، نرى أنّ بعض الدول بدأت باتخاذ الخطوات الأولى في طريق التضييق على السوريين واتخاذ إجراءاتٍ مجحفةٍ وغير منطقية، وفي بعض الأحيان تشكل خطرًا مهددًا ومباشرًا لسلامة بعضهم، وأبرز الأمثلة على ذلك قرارات الدنمارك الأخيرة باعتبار دمشق وبعض المناطق آمنةً، وأيضًا اليونان بإصدارها قرارًا باعتبار تركيا بلدًا آمنًا للسوريين، وبالتالي عدم أحقية السوريين بطلب اللجوء في اليونان إثر عبورهم من تركيا، كل ذلك وبالرغم من المناشدات الدولية والتقارير الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية لم تتراجع هذه الدول عن قراراتها، وكما هي عادة الدول الأوربية فهم يميلون إلى اللحاق ببعضهم واتخاذ خطواتٍ مماثلةٍ وخاصةً إذا كان ذلك متعلقًا بسياسات الهجرة والقوانين المضيقة للخناق على طالبي اللجوء في هذه الدول.

ولكن وبعد هذا كله فهل سنلقي اللوم على أحزاب اليمين فقط؟ ولن يكون في وسعنا سوى الندب والعويل والدعاء لأحزاب اليسار بتقليد السلطات في أوروبا ؟ مع الأسف فالاتجاه الحالي السائد في أوروبا هو الاتجاه نحو الأحزاب اليمينية وعودة الحس القومي العنصري في بعض الدول وبدء تجلي وظهور وجهٍ جديدٍ لأوروبا لم نعتد عليه في العقود السابقة … وجهٌ يمثل الفاشية والعنصرية والاستعمارية ولكن بحلةٍ جديدةٍ وبأدواتٍ أخرى.

ومع ذلك، إذا أردنا الدقة في الحديث و أردنا تحليل الواقع وكيفية عمل هذه الأحزاب، وكيفية استغلال حكومات اليمين لأزمات الهجرة واللجوء نرى أنهم يبحثون دومًا عن الحلقة الأضعف في هذا السياق وكما هي العادة في كل المآسي التي تحدث ..هناك الضحية الأتعس حظًا – اللاجئون السوريون – وذلك لعدة أسبابٍ يكاد يستعصي على أيّ حزبٍ يمينيٍ ( ولو درجة ثالثة ) القدرة على تجاهلها أو عدم الاستفادة منها.

 وأول هذه الأسباب هو غياب الكيان السياسي الممثل والفاعل والمؤثر على القرارات المتعلقة بالشعب السوري سواء داخل سوريا أو خارجها، وسواء على صعيد حكومة النظام أو المعارضة وذلك لأسبابٍ واضحةٍ جليًا، فالنظام يُعتبر سبب أزمة سوريا بالدرجة الأولى، والمعارضة بكونها آخر من يهتم بقضايا الشعب السوري ولانشغالهم بتنفيذ أجندات الدول الممولة لهم وإرسال المرتزقة إلى ساحات القتال في ليبيا وأذربيجان.

وثانيها والأهم هو غياب التمثيل المدني والأهلي لمجتمعات السوريين في الدول المختلفة وغياب الصوت والصف الواحد، وذلك يعتبر العامل الأهم وورقة ضغطٍ لا يُستهان بها، ولكننا لم نشهد إلى الآن مثالًا ناجحًا على ذلك، اللهم إلّا بعض المظاهرات والوقفات الاحتجاجية الخجولة والبسيطة، وبمقارنة أعداد المشاركين في هذه الفعاليات مع عدد السوريين الكلي في هذه الدولة أو تلك نرى مدى هزالة وضعف تمثيلنا المدني، وبعد ذلك لا عجب من بقاء الكرة في ملعب الأحزاب اليمينية طالما ليس هناك من يواجه ذلك ولو عن طريق التظاهر في الشوارع و أمام أبواب الوزارات والبرلمانات.

في النهاية، من يظنون أنهم بوصولهم إلى أوروبا قد خرجوا من دائرة اللعبة السياسية وأصبحوا خارج المعادلة، وبأنهم ليسوا ورقةً سياسيةً يتم رميها وتداولها بين أيدي السياسيين، فيؤسفني القول أنّ ذلك غير صحيحٍ والأدلة واضحةً كما ذكرت أعلاه، و كما تابعنا الفترة الماضية عندما يتم اتخاذ قرارٍ خاصٍ باللاجئين السوريين في غالب الحال لن يتم الالتفات أو الأخذ بعين الاعتبار ما هو وضعك بشكلٍ عامٍ سواء كنت مندمجًا أو تتكلم لغتهم أم لا، وحتى لو ساهمت في دفع الضرائب كل ذلك سيذهب سدى بين ليلةٍ وضحاها ونرى بوضوح أنّ الأنانية وسياسة النأي بالنفس ( أنا ومن بعدي الطوفان ) ليست في مصلحة أي سوري ولو حاول البعض إقناع أنفسهم بغير ذلك، ويبقى المنفذ الوحيد للخروج من هذه الدوامة والحفاظ على قرارنا الذي نستطيع أن نعبر عنه بكل وضوحٍ مع ضمان أنّه ولو تم تجاهله  فسيبقى مسموعًا وذلك أضعف الإيمان، هو أن نوحد صفوفنا ونعمل ضمن نسقٍ واحد، لا لنفرض آراءنا على بعض، ولكن لنرفض أي قرارٍ يمكن إملاءه علينا أو أي صوتٍ يصدر باسمنا بكونه صادرًا عن جهاتٍ ليست في موقع يمثلنا أو يحقق مطالبنا.

من أهم أهداف الحركة المدنية السورية بناء كيانٍ مؤسسٍ على أسسٍ سليمةٍ مبنيةٍ على قواعد الحرية والمدنية، مهمتها ليست أدلجة منتسبيها أو جرهم إلى خط سيرٍ ممنهجٍ يتبع لحزبٍ أو عقيدةٍ ما، ولكن مهمتنا الأسمى هي توحيد كلمة شعبنا بما يضمن حقه بتقرير مصيره والدفاع عنه والتعبير عن إرادته الحرة المستقلة، والنهوض بثورتنا لتحقيق الغاية العليا لها وهي حرية شعبنا وضمان حقوقه وكرامته.

الحركة المدنية السورية | اللجنة الثقافية
آرام قباني (ناشط حقوقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى