مقال رأي

التشيع في سوريا وحقيقة الهلال الشيعي (طريق السبايا)

إنّ ما يحصل في شوارع بعض أحياء العاصمة السورية دمشق والتي كانت يومًا عاصمة الدولة الأموية، خلال العُشر الأول من شهر مُحرّم، يكاد لا يصدّق، حيث أصبحت مظاهر إحياء عاشوراء على الطريقة الإيرانية والعراقية علنيةً أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وسط إجراءاتٍ أمنيةٍ مشددة، يشرف عليها مسلّحو “اللجان الشعبية” من أبناء الأحياء التي يسكنها “الشيعة الدمشقيون،” جنبًا إلى جنب مع طوائفٍ أخرى، وهي: “حي الأمين” بقلب دمشق القديمة المركز الأهم للشيعة في سوريا، وبجانبه حي “الجورة” (حي الإمام جعفر الصادق) الذي يتكئ على سور دمشق القديم بجانب باب توما، وحي “زين العابدين” المشرف على دمشق من نقطة مرتفعة من جبل “قاسيون” على أطراف منطقة “المهاجرين” التي تبلغها وسائل النقل بصعوبة، والذي يتشح بالسواد ويقيم مجالس العزاء في الحسينات إحياءً لذكرى مقتل الإمام الحسين في عاشوراء.

 حيث تداولت وسائل إعلامية صورًا لاحتفالياتٍ شيعيةٍ في هذه الأحياء ظهرت فيها أعلام حزب الله وإيران والنظام السوري، وشبان ورجال يرتدون الأسود ويعصبون رؤوسهم بعصائبٍ خضراء يلطمون ويبكون بحرقة، في تكريسٍ لطقوسٍ دينيةٍ شيعيةٍ لم يألفها الشارع الدمشقي ذو الغالبية السنية، رغم مضي خمس سنوات على تمددها القوي خارج نطاقها الجغرافي في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، التمدد الذي وصل أيضًا  إلى الأماكن التراثية والأسواق الشعبية وحول المراقد الشيعية بعد ازدياد أعداد الزوار والحجاج الشيعة بسبب تشجيع السياحة الدينية.

علمًا بأنّها أي “الشعائر الحسينية” طقوسٌ واحتفالياتٌ كانت تُقام في الأحياء الشيعية الدمشقية داخل الحسينيات وبعيدًا عن الشارع والضجيج الإعلامي، مقتصرةً على الاستماع لموعظةٍ دينيةٍ يلقيها أحد المعممين لاستذكار قصة “استشهاد الإمام الحسين” يتلوها ما يعرف بـ “رادود”، بينما يذرف المعزّون الدموع تأثراً بفصول هذه القصة التي تُعاد سيرتها منذ نحو ألف عام.

ويبتعد عموم “الشيعة الدمشقيين” عن المغالاة في “اللطم”، رغم أنّ هذا الطقس يستهوي فئة الشباب خصوصاً، ولا وجود لـ “التطبير” أي الإدماء بين “الشعائر الحسينية” التي يمارسها “الشيعة” بدمشق، ويحرصون في يوم “عاشوراء” على التبرّع بدمائهم لصالح بنك الدم بدلاً عن ذلك، ويُقدم الشاي أو شراب الورد والكعك و”السحلب” للمعزّين، ويُعد الأغنياء “الزاد” عن روح “الإمام الحسين”؛ كـ “هريس اللحمة والقمح” الذي يطبخ ضمن أوعيةٍ ضخمة ويستغرق إعداده ساعاتٍ طويلة، والمأكولات الدمشقية الشهيرة “الصفيحة” و”الأوزي” التي تقدّم في مناسبات العزاء.

مع العلم أن “النياحة” على الإمام الحسين الشهيد كانت في مدٍ وجزرٍ في سوريا، منذ أن وطئت أقدام السبايا بالشام سنة 61 هـ ومثولها بين يدي يزيد بن معاوية الخليفة الأموي الثاني، وقد أخذت الأوساط الشامية وغيرها من المدن السورية منذ ذلك التاريخ تقيم المآتم والمناحات على فاجعة كربلاء في دور وأماكن العبادة المخصصة لها بصورةٍ علنيةٍ أو سريةٍ حسب الظروف التي تفرضها السلطة القائمة والحكومة المسيطرة على الحكم من إطلاق الحرية للجاليات الشيعية أو الضغط عليها .

 إلا أنّ انتشار مظاهر العزاء بهذا الزخم حاليًا يشير إلى تنامي النفوذ الإيراني ونفوذ الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة، الذي دعم خروج هذه المظاهر إلى الشارع، لتتسم بالاستفزاز واستعراض القوة بعد أن تسلح معظم أبناء الشيعة وانضموا إلى ميليشياتٍ شيعيةٍ تدعم قوات النظام في حربها على معارضيه.

هدف الشيعة من الاستيطان والقتال مع النظام السوري:

إنّ قتال الشيعة إلى جانب نظام الأسد جرى بطريقةٍ ممنهجةٍ ورطت الشيعة وحاولت توريط جميع الأقليات من خلال تخويفهم من محيطهم السني الذي تعايش معهم على مدى قرون، ومن هنا كان التورط الشيعي مشابهًا لتورط العلويين الذين ربط النظام مصيرهم ببقائه.

أمّا الهدف البعيد فهو تحقيق الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران إلى العراق و يصل إلى البحر الأبيض المتوسط. إنّ ما يحدث اليوم هو تنفيذٌ لحلمٍ قديمٍ بعودة النفوذ الفارسي الصفوي للمنطقة والذي وحسب معتقدات الشيعة سيعجل بظهور الإمام المهدي المنتظر الغائب عن الأنظار منذ قرون.

لذلك صرفت إيران عشرات المليارات على مخططها الصفوي في المنطقة والذي عملت عليه لأكثر من ثلاثة عقود مستخدمةً الشيعة العرب لتنفيذ مخططها، فمنذ ثورة الخميني وظفت كل إمكانياتها في سبيل تحقيق هذا الهدف فأسست جمعية الإمام المرتضى برئاسة جميل الأسد في العام 1981 بعد عامٍ واحدٍ على بدء الحرب الإيرانية العراقية وافتتحت فروعًا لها في جميع المحافظات السورية.

الهلال الشيعي – طريق السبايا:

خريطة مخطط مسير سبايا أهل البيت ع إلى الشام

تغيير ديموغرافي وتغذية للطائفية ينطلق من العراق ليستقر في سوريا ولبنان… سرديةٌ تاريخيةٌ لم يصدقها أحد تسعى إيران لتطبيقها على أرض الواقع، حسينياتٌ ومراقدٌ شيعيةٌ كلها تحت حماية مليشياتٍ شيعية…

طريق السبايا احتلالٌ بحجة الدين، وذلك يعود إلى حادثةٍ تاريخيةٍ تعود للقرن السابع الميلادي، الطريق يعتمد على آثار مسير موكب سبايا آل البيت الذي مرّ من منطقة آسكي موصل في العراق إلى نصيبين في تركيا وذلك بعد واقعة الطف الشهيرة التي حدثت في كربلاء في العاشر من محرّم عام 61 للهجرة والتي استشهد فيها الحسين بن علي بن أبي طالب ومعه عددٌ من أهله وأصحابه على يد الجيش الأموي الذي اعترض طريقهم أثناء توجههم إلى الكوفة في العراق وذلك وفق الرواية الشيعية، يبدأ الطريق من الكوفة في العراق وتحديدًا من منطقة آسكي موصل التاريخية ليتجه إلى الحدود العراقية السورية مرورًا بمحافظة صلاح الدين والموصل ومنها إلى قرب بلدة نصيبين التركية، ليدخل بعدها الأراضي السورية وبالتحديد بين محافظتي الحسكة ودير الزور، ويتجه بعدها غربًا إلى مسكنة في حلب ثم جبل جوشن ومن ثم يصل إلى حماة وحمص، ليصل إلى مدينة بعلبك اللبنانية متجهًا إلى محطته الأخيرة في دمشق، وعسقلان في فلسطين، ومنهم من يقول أنه يصل إلى الشواطئ السورية ليساعد إيران على إيصال الدعم والتحرك بحرية.

يتضمن المشروع بناء مزاراتٍ ومقاماتٍ على طول الطريق وسيتولى الوقف الشيعي إدارتها بالكامل أي أنّه سيصادر عشرات الآلاف من الأراضي وذلك بحجة مشروعٍ دينيٍ مقدسٍ للشيعة، يلي عملية البناء تلك عملية توطينٍ منسقةٍ تهدف لتوطين الشيعة على طول الطريق وذلك خلال سنواتٍ قصيرةٍ فقط وكلها بحمايةٍ عسكريةٍ من المليشيات الطائفية التي تدعمها إيران مثل مليشيا السرايا وعصائب أهل الحق في العراق، ومليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا، وما يزيد من مخاوف العراقيين أنّ ذلك جاء بالتزامن مع محاولاتٍ متكررةٍ لتنفيذ اتفاقٍ بين الوقفين السُنّي والشيعي والذي يُبيح للأخير الاستيلاء على عقاراتٍ ومساجدٍ تتبع للوقف السُنّي في العراق، الأمر الذي اعتبرته منظماتٌ إسلاميةٌ عدة عمليات تغييرٍ ديموغرافيٍ في البلاد كلها، وإيران تدفع لتنفيذ ذلك المشروع بهدف استكمال هلالها الشيعي وتأمين مسار سيرها من طهران حتى شواطئ البحر المتوسط.

المشروع هذا سيتحول من خطةٍ دينيةٍ تاريخيةٍ إلى مركزٍ للسياحية الدينية لدى الشيعة ما سيدُر ملايين الدولارات على الوقف الشيعي ومنه إلى طهران مباشرة، هذا بالإضافة إلى مشاريعٍ أخرى قامت بها إيران لتعزيز نفوذها في العراق في ظل النظام السياسي الضعيف في البلاد حيث يُشرف الحرس الثوري الإيراني على تلك المشاريع كما أنّ الجناح الهندسي لشركة الكوثر التي تتبع لبيت المرشد الإيراني علي خامنئي هي من تنفذ تلك المشاريع وتمولها.

تُظهر خارطة طريق السبايا أنّها لا تستند لسردٍ تاريخيٍ بل تتقصّد المرور بمناطقٍ ذات غالبيةٍ سُنّية في سوريا والعراق؛ ففي العراق يمر الطريق في الموصل وصلاح الدين والعديد من المناطق التي قاومت بشدة الجيش الأمريكي ومن ثم قاتلت تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك الأمر في سوريا حيث يمر الطريق بأبرز المدن التي كانت شرارةً لانطلاق الثورة وقاومت بشدةٍ ضد النظام السوري مثل دير الزور وحمص حتى باتت كومةً من الدمار ليتمكن النظام من السيطرة عليها.

والطريق يأخذ شكل هلالٍ تطوق من خلاه إيران أبرز المناطق السُنّية غربي العراق وشرقي سوريا ممّا يضع هذا المشروع حيز التطبيق على أرض الواقع.

كلنا تؤلمنا هذه الجريمة التي ارتُكبت بحقّ الإنسانيّة منذ مئات السنين، لكن ما أبشع من أن تُستغل معاناة هؤلاء السبايا والجريمة البشعة التي ارتُكبت بحقّهم لارتكاب جرائم أشنع وأبشع بأناسٍ أبرياءٍ في القرن الواحد والعشرين. وما أقذر من أن تُستغل أوجاع أجدادنا للتغطية على مصالحٍ سياسيةٍ قذرةٍ لا تقوم إلّا على دمار دولنا وسفك دماء أبنائنا.

مارغريت (ناشطة مدنيّة مستقلّة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى