خواطر وآراء

طفلة صغيرة على رصيف باب شرقي

مشاهدة من دمشق

تشهد دمشق حالةً من انعدام الأمن الغذائي وأبسط موارد الحياة، وأصبحت رؤية الأطفال المتسولين أسىً يومي وجرحٌ نازف لا يندمل.

أمامَ قسوة هذا المشهد تَتَمزق جميعُ الأفكارِ في رَأسِك من نجاحٍ ومستقبل ومَرَح وحياة آمنة، لِتَقف عاجزاً مَشلول الإرادة مقتنعاً أنّ كل مَساقاتك وأهدافك لا أهمية لها أمام رهبة الموقف. طفلة متسولة مُشَرَدة، وتُفكر بأن مأتماً جَمعُهُ من جُثَثٍ على مَذبح الحُرية ذهب بلا فائدة. وأعرف يقيناً بأن الابتسامة على وجهها تُوحي بأنها لا تَهتم بالدِين ولا بالسياسة إنما تَهتَم لقطعةٍ من الحلوى، ثُم تتجاوز ذلك لِترى نَفسك في مسرح لاستعراض الموسيقى الصاخِبة والسَيارات الفارهة في نفس الحي، تُأديها أذيالُ إيران وشبيحةُ الأسد، لِتَهبط بالفن في باب شرقي إلى مُستوى حفلات “عُلا جامع” وأمثالها.

 إننا ببساطةٍ كَمجتمع نُوَسع الفجوة بينَ العِلم والحضارة والتطور بامتلاكِ السيارات الحديثة والتكنولوجيا لأشخاصٍ لا يَعرفونَ القراءةَ ولا الكِتابة، ولا يَحترمونَ العِلم. أما المُثقَفِين والفَنانين وكِبار أساتِذَتنا يحلُمون بدراجةٍ هوائية!.

يا لَهُ من واقعٍ سيءٍ للغاية والأسوأ هو عجزُنا عن بناء مؤسسات حقيقية تحمي الطُفولة في ظل فَساد النظام الحالي واستحالَةِ إصلاحه. كم حَلُمنا بولادة سوريا الجديدة بعد كُل هذهِ التضحيات ولكن يبدو أن المخَاضَ عسير، وسوريا القديمة ماتَتَ مُنذُ زمنٍ والفَترَة القائمة ما هِي إلاّ غيابٌ لِمعنَى الدولة وحالةٌ رَهيبة من الفوضى والتَسلُطِ وَالتشبيح، وقَتلُ كُل ما تَحوِيه الإنسانية والكرامةُ من معنىً.

لا يُمكنك أن تُخبِر طفلاً لا يَملِك حذاءً في هذا البَردِ القَارِس عن أزمات البيئة والتحديات التي تُهددها، بينما تَبقَى قطعةُ الحلوى في رأس السَنَة أهمُ من تَطوراتِ العَالم وأخبار السوشال ميديا.

 

ناشط وعضو في اللجنة الثقافية في الحركة المدنية السورية
كلّ ما ورد أعلاه يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعكس بالضرورة رؤية الحركة المدنيّة السوريّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى