مقال رأي

الاقتتال الطائفي في سوريا حقيقة أم وهم

تبعًا للمقال السابق “مكوّنات الشعب السوري” الذي وضّحت فيه الفسيفساء السوريّة، أعرض هنا مسألةً تؤرّقنا جميعًا، المسألة الطائفيّة.

لطالما كانت المسألة الطائفية في سوريا منطقةً محرمّةً ويكفي النُطق بهذه الكلمة لإثارة كلّ أنواع الاتهامات، ولا تزال أيّة محاولةٍ لطرحها مغامرةً غير محمودة العواقب، خاصةً بعد سنين الحرب التي مررنا بها والتي يميل الكثيرون لوصفها بالحرب الطائفية. ولكن رصد المشكلة الطائفية وتسليط الضوء عليها يساعد في تجاوزها للوصول إلى دولة المواطنة التي دفع السوريون الغالي والنفيس لبنائها.

هناك مخاوفٌ وتصوراتٌ متبادلةٌ عن العلاقات بين الطوائف، ولطالما اشتكى السُنّة من التمييز الطائفي ضدهم، فهل هذه الشكوى مبررة ويمكن تفهمها؟

هناك شِبه إجماع بين الطوائف على مخاوف الأقليات من الأكثرية السُنّية، فهل نبررها؟

أليس التصريح والمُجاهرة بالطائفية أمرٌ له دلالته؟ هل هناك اختلافٌ بين منطقةٍ وأخرى، وبين فئةٍ عمريةٍ وأخرى، أو بين مستوى تعليمي وآخر لمن يجاهرون بالطائفية؟ وما هي الخلفية الاجتماعية الآيديولوجية لأولئك الذين يعبرون بشكلٍ صريحٍ عن رفضهم للأفراد المنحدرين من طائفةٍ أو طوائفٍ أخرى؟

هل المشكلة الطائفية نتيجةٌ لعلاقاتٍ تاريخيةٍ قديمةٍ بين الطوائف؟ أم أنّها نتيجةٌ لأمورٍ تخصّ العلاقة مع السلطة السياسية في سوريا كما يعتقد الكثيرون؟

من المسؤول عن التمييز الطائفي؟ الجيش السوري أم المخابرات أم الدوائر الرسمية؟

هل لعب الانتماء الطائفي دورًا مؤثرًا في تحديد الموقف من الثورة السورية عند انطلاقها؟

والكثير الكثير من الأسئلة التي تدور في أذهاننا…

إن فوز الإسلاميين في انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ حرةٍ في تونس ومصر وليبيا وممارساتهم الإقصائية للآخر شجّع الكثير من أبناء الأقليات العرقية والدينية في سوريا أن يتحدثوا عما يعتبرونه مخاوفًا من ظهور الإسلاميين فيها، وبات من المتعارف عليه في لغة السياسة العربية والعالمية أنّ مصطلحات مثل الإسلاميين، والسلفيين، والرجعيين، والتطرف الإسلامي، كلها تشير إلى أتباع السُنّة من المسلمين فحسب، دون التطرق إلى المذاهب الإسلامية الأخرى كالشيعة مثلًا.

في سوريا هناك أكثر من عشر طوائفٍ وإثنيات يستخدمون هذه المصطلحات ويطلقونها على المسلمين السُنّة، في حين أنّ السُنّة لا يعبّرون عن ذاتهم بهذه المصطلحات، ممّا يجعل هذه المصطلحات تتحول إلى تهمةٍ أو إدانةٍ للمجتمع المسلم السُنّي كلّه فقط.

وكذالك التجمعات أو الأحزاب الدينية السُنّية نفسها لا تقبل بأن تُصنف ضمن هذه المصطلحات الشائعة، فالإخوان والقاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام مثلًا يعلنون عن تنظيماتهم بأسماء التنظيمات نفسها ولا يطلقون على أنفسهم تسمية إسلاميين أو سلفيين أو ما إلى ذلك.

فهل تنطبق هذه المصطلحات (التُهم) على كل التنظيمات الإسلامية السُنّية، أو على أتباع الإسلام السُنّي كلهم؟ ولماذا توجه هذه الاتهامات إلى السُنّة دون غيرهم؟ فهل يتمتع غيرهم بكل صفات التحضر والحداثة والمدنية والإنسانية والتقدم؟ وهل يُعتبر أهل السُنّة وحدهم هم العاجزون عن التعامل مع غيرهم من المواطنين بعدلٍ وتحضرٍ وإنسانية حتى يُخشى جانبهم؟

هل يُعتبر السُنّة هم الوحيدون الذين يرفضون علمانية الدولة والتطبيق الحقيقي والمتكامل لمبدأ المواطنة المتساوية العادلة؟ أو بمعنى آخر هل يتقبّل المسيحي أو الدرزي أو الإسماعيلي أو الأزيدي أو غيرهم من المتدينين الدولة العلمانية والعلمانيين من طوائفهم أو من الطوائف الأخرى؟ طبعًا لا، لا يتقبّل المتديّن مهما كانت طائفته الدولة العلمانية أو الشخص العلماني، إذًا فالمشكلة الحقيقية في سوريا اليوم تكمن بين المتدين مهما كان دينه والعلماني، لا بين أبناء الطوائف.

وكلّنا يعلم أنّ هناك خطابًا يحذّر من الطائفية ويتهم المعارضة بممارستها، نجده في الإعلام الحكومي السوري ويشارك فيه جميع السوريين، بمن فيهم بعض أتباع السُنّة أنفسهم، هذا الخطاب يزعم بأن كل أعمال المعارضة تقوم على مبادئ طائفية، ربما ينطبق ذلك على بعض أطراف المعارضة ولكن ليس على الكل.

فلماذا ظهرت هذه النزعة الطائفية؟

إنّ نُدرة أو انعدام التواصل بين الأشخاص من طائفةٍ معينةٍ مع أبناء الطوائف الأخرى، إمّا لعدم وجود أشخاصٍ من الطوائف الأخرى في منطقتهم أو لعدم وجود أشياءٍ مشتركةٍ بينهم أو لأسبابٍ تتعلق بالآخر، يفتح الباب على مِصراعيه للأحكام المُسبقة ولانتشار صورٍ نمطيّةٍ عن أبناء الطوائف الأخرى، كما أنّ كثرة الاتهامات الطائفية، والقلق من الاقتتالات الطائفية أو العرقية في سوريا، دفع العالم للتحدّث عن مشكلةٍ لا وجود لها، وتدخّلت العديد من الأطراف الدوليّة لتجد حلاً لحربٍ طائفيةٍ مفترضةٍ تهدد البلاد، رغم أنّ الكثير لا يرى أنّ التعددية الدينية في سوريا مشكلةً قائمةً بذاتها بل يرى أنّها ميزةً إيجابيةً وبنفس الوقت يُدرك الجميع خطورة الشحن الطائفي، كما أنّهم على درايةٍ واقتناع تامٍ بأنّ أسباب الطائفية تتعلق بالدولة والسلطة السياسية لا بأبناء الشعب أنفسهم، فنظام الأسد هو الذي فاقم مشكلة الطائفية في سوريا، بل الحكم السياسي عمومًا حتى حُكم الأخوان في مصر.

أمّا بالنسبة للثورة فمن جهةٍ يرى مؤيدوها أنّ السبب الرئيسي للمظاهرات هو استبداد النظام وسعي المتظاهرين لإقامة دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطية، والتعرّض للتمييز الطائفي وسيطرة طائفةً معينةً على الدولة، وهذا أضفى الشرعية الدولية على الثورة السورية، ومن جهةٍ أخرى يرى الإسلامي المؤيد للثورة والعلماني المعارض لها أنّ السبب الرئيسي للمظاهرات هو أن الحكومة علمانيةً والمتظاهرون يريدون إقامة دولةٍ إسلامية، وهذا ينزع عن الثورة أيّ طابعٍ تحرُّري فهي بنظرهم طائفيةٌ فقط.

وختامًا: إنّ انفجار “المسألة الطائفية” في بلدٍ تعلّم على مدى نصف قرن أن يواري “طائفيته” ويتجنّب مناقشة اختلافاته بفعل عنف السلطة التي حكمت على معارضيها بالسجن عقودًا بتهمة “بث النعرات الطائفية”، جاء مفاجئًا، فأربك الجميع وتعددت التحليلات والقراءات، وكأن بالمسألة الطائفية في سوريا تنتقل من التعتيم المُتعمّد إلى الضوء الكاشف، وهو أمرٌ حسنٌ في بعض جوانبه لأنّه يضع المسألة على طاولة التشريح النقدي والمعرفي بعد أن غاب عنها طويلًا أو لم يأخذ حقه من النقد والنقاش على الأقل، ولكنه خطرٌ أيضًا إذ يصوّر الأمر وكأنّ ما يجري في سوريا ليس إلّا صراعًا طائفيًا على السلطة، مقصيًا الصراع الطبقي والريفي، المدني والسياسي إلى الخلف، ومستبدلًا “ثورة الكرامة” وحقوق المواطنين بـ “حقوق الطوائف وحماية الأقليات”، خدمةً لأجندةٍ سلطويةٍ وخارجيةٍ تهدف لاستغلال الطوائف وقودًا لها في معركة المصالح.

مارغريت (ناشطة مدنيّة مستقلّة)

تعليق واحد

  1. قد يعود الامر في ان تكون ” الطائفة السنية” تطفو على سطح الاتهامات دائما ، كون ان باقي الطوائف سواء اكانت اسلامية ( شيعية – علوية ، اسماعيلية – درزية……..) ام ليست اسلامية ( المسيحية و غيرها ) هي طولئف وجماعات تفرعت عن الاصل من خلا اتباع لاسلوب وايدلوجيا معينة ونمط يجنع اتباع الطائفة الواحدة و يميزها عن باقي الطوائف بخلاف من تبقى من الدين الاسلامي ولم يلتحق بطائفة ، مما يجعل من الطائفة الفرعية قادرة على ان يكون لها مرحعية او قيادة او محرك توجيه واضح قادر على التاثير والتوجيه للتكيف والتاقلم والاستفادة من المتغيرات – الطائفة الدينية تستخدم العبائة الدينية للوصول بقادتها الى اهدافها (( الدنيوية)) -في حين ان اتباع الطائفة السنية يفتقدون الى الموجه و المرجعية كونهم اصبحوا من ابناء الطائفة السنية تلقائيا فقط لعدم اتباعهم طائفة اخرى ، مما يسهل على الغير ان يستفيد من هذا الوضع في ينسب الاتهامات الغير مناسبة لاي طائفة الى الطائفة السنية في خطوة اولى لتبرئة طائفته ، و اظهار تحضر ابناء طائفته .
    وخصوصا في ساحة العمل الاجتماعي العالمي المبني على تقبل الاخر من خلال شكليات وسطحيات الامور حتى ولو كانت معلومة للجميع انها زائفة او مناقضة للمضمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى