
إصلاح مؤسسة الزواج من أجل مجتمع سوري أكثر تماسكاً
إن الزواجَ، والطلاق، وتعليمَ الزوجين وعملهما، والعنفَ والتنمر والكراهية والعنصرية بينهما، والمنظومةَ الزوجية من بدايتها إلى نهايتها، وما يترتب من حقوق على الزوج والزوجة وكليهما؛ مسائلٌ تستحقُ الاهتمامَ والتدخلَ الإيجابي بها ومعالجتها.
يُعتبرُ الزواجُ من الناحيةِ الاجتماعية شراكة واعية مقصودة تقوم على النوايا السليمة والتكافؤ والرضا والاحترام وتبادل الحقوق بعدالة ورحمة.
والزواجُ في الدين الإسلامي ميثاقٌ غليظ وعلاقة مشروعة بين الرجل والمرأة، كذلك هو الحال في المسيحية التي اعتبرته سراً إيمانياً مقدساً تقوم عليه الأسرة واستمرارية الحياة البشرية.
ومن ناحية مثالية فإنه علاقةٌ شرعية متكافئة من مختلف الجوانب؛ غايتها تحقيق التقارب النفسي والجسدي وإشباع الحاجات العادلة التي تستطيع أن توفرها مؤسسته لطرفي الزواج؛ إذ يقدم فيها الزوجان لبعضهما البعض حقوقاً وواجباتٍ متكافئةً بمشاعرٍ ومقاصدَ نبيلةٍ.
ولكي يكون الزواجُ ناجحاً فإنه محتاجٌ إلى بيئة قانونية وثقافية تضمن التدريبَ والتأهيل للمقبلين عليه من حيث طبيعة العلاقة بين الأزواج، ومعنى وغاية الزواج، ومسؤولية الأزواج تجاه بعضهما وتجاه الأطفال مع نظرة واعية للعلاقات والقيم الاجتماعية والقدرات الاقتصادية وتكييف كل ذلك من أجل الوصول إلى المقاصد السامية له.
إنطلاقاً مما ذُكِرَ أعلاه؛ فإننا نجد أنفسنا أمام نقاطٍ لا بدَّ من منقاشتها نقاشاً مجتمعياً عقلانياً وبنظرة شاملة تستوعب التجارب الناحجة في مجتمعاتنا وفي مجتمعات العالم الأخرى، ومن بعد ذلك ننتقل إلى صياغة قوانين جديدة تُعبر عن النتائج الإيجابية لذلك النقاش، وجعل تلك القوانين ثقافة اجتماعية قابلة للتطوير الدائم المقصود الذي يحفظ الحقوق المتوازنة للزوجين ويؤدي إلى خلق أسرٍ ومجتمعٍ أكثر قوةً وانسجاماً وتماسكاً.
ومن النقاط التي تطرح نفسها في هذا النقاش ريثما ينضج الوعي الفردي والجمعي:
1- أن يكون الزواجُ بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة مقيداً بقيود قانونية تُحافظ على الأمن والسلم الأهليين.
2- أن يستندَ الزواج على الأعراف الإيجابية والقيم الأهلية الصحيحة التي تساعد في حماية الأفراد والمجتمعات المحلية من الزواجات التي قد تجلب العار للأفراد والأسر أو تتسبب بتوترات طائفية ريثما تعود سورية إلى الاستقرار والأمن والتمكن من بناء دولة ديمقراطية مدنية.
3- تقييد الزواج بالنسبة إلى غير المؤهلين علمياً أو مهنياً أو ليس لديهم وظيفة، أو ليس لديهم كفيل يتعهد بكفالتهم مالياً من أجل تغطية نفقات الأسرة التي ينتوي المكفول تأسيسها عبر صيغة قانونية فعالة ولمدة محددة قانونياً.
4- اعتبار القيود على زواج غير المستطيعين وسيلة لتشجيع الشباب والشابات على التعليم والعمل والتدريب المهني وتحمل المسؤولية، وإجراءات وقائية تُقلل من معدلات الطلاق التقليدي، والطلاق النفسي الذي يحدث بين الأزواج بنسبة مرتفعة مع استمراره شكلاً.
5- إلزام المتقدمين إلى الزواج أن يُثبتوا كسبهم المشروع لدخلهم مما يُشجع الناس على الكسب المشروع وحماية الأسر من محاسبة أحد أفرادها أمام القضاء بسبب دخله غير المشروع وما يتسبب به ذلك من أضرار مادية ونفسية واجتماعية عليها.
6- أن تتوافق قيمة المهر مع القدرات المالية للمتزوج وربطه بمتوسط دخل الفرد في الدولة والحد الأدنى للأجور.
7- إعادة النظر بمسألة النفقة (تكاليف الحياة أثناء الحياة الزوجية)، وكذلك القوامة (السلطات الزوجية) وتنظيمهما بشكل دقيق وتوزيعهما بشكل عادل بين الزوجين، وإمكانية أن تكون القوامة (السلطات الزوجية) تفاعلية بينهما تضمن حقوقهما معاً، وأن تكون النفقة (المسؤولية الزوجية المالية) مشتركة تحقق العدل بينهما، وفي حالة الطلاق يقوم القضاء بقسمة الممتلكات التي ساهم بها الزوجان منذ بدء الزواج، وذلك بنسبة مشاركة كل منهما بها.
8- إعادة النظر بالطلاق وأسبابه ونتائجه، وفرض التزامات مادية ومعنوية عن الأضرار النفسية والمادية والاجتماعية والفرص الفائتة التي يتسبب بها المتسبب والمباشر بالطلاق، وغيرها من الالتزامات الرادعة التي تُقلل من تعدي كل من الزوجين على الآخر.
9- مراجعة وتحسين جميع القوانين المتعلقة بالزواج والطلاق وأن يكونا حصراً من خلال القضاء؛ لكي تتحقق العدالة لميزان الحقوق الزوجية.
هذه النقاط وغيرها لا بدَّ من طرحها على طاولة النقاش النافع البنَّاء؛ من أجل المساهمة في تحقيق أفضل البيئات التشريعية التي تُنظِّم مصالح الأفراد والأسرة والمجتمع وخلق بيئة اجتماعية واقتصادية أكثر تماسكاً وقوةً وعدالة ورحمة داخل الدولة التي يأمل السوريون أن تكون دولةَ عدالةٍ ورفاهية؛ تحترم حقوقَ الإنسان ومبادئ الديموقراطية.
علاء عبود