
مخرجات النقاش حول القضية الكردية بتاريخ 18 شباط 2025
القضية الكردية بين التاريخ والسياسة:
كانت القضية الكردية ولا تزال واحدة من أكثر القضايا الشائكة في المنطقة، إذ يمتد تاريخها السياسي لأكثر من قرن. كان الكرد مشاركين سياسيًا وفاعلين عبر العصور المختلفة، حيث لعبوا دورًا مهمًا في الحضارات التي تعاقبت على مناطقهم.
خلال الحقبة العثمانية، تمتعت العشائر الكردية بنوع من الاستقرار، وكان لبعض المناطق حكم ذاتي. غير أن سقوط الدولة العثمانية أحدث تحولًا جذريًا في موقف الكرد، إذ لجأوا إلى السلاح لمواجهة ما اعتبروه عداءً لوجود دولتهم الإسلامية، وذلك خلافًا للعرب الذين تحالفوا مع القوى الأوروبية وأسّسوا دولًا قومية خاصة بهم.
بدأت المعضلة الكردية تأخذ طابعًا دوليًا مع الاتفاقيات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. ففي اتفاقية لوزان الأولى عام 1912 ثم معاهدة سيفر عام 1921، كان وضع القضية الكردية مقبولًا إلى حد ما لدى الساسة الكرد والدستور التركي الجديد، لكن كل شيء تغير مع توقيع اتفاقية لوزان عام 1923. فقد تراجع الدعم الدولي للمطالب الكردية، وعُدّل الدستور التركي عام 1924 ليؤسس لدولة قومية ذات حزب واحد، مما أدى إلى تهميش الكرد بالكامل.
كان لعدم توحيد الرؤية الكردية والانقسامات داخل المجتمع الكردي أثر كبير في إضعاف موقفهم، إذ انقسموا بين من رأى ضرورة تبني العمل السياسي والتكيف مع الواقع الجديد، ومن تمسك بالمقاومة المسلحة وإعادة إحياء الخلافة العثمانية. كما لم يدرك الكتير من القادة الكرد المتغيرات الإقليمية وإعادة رسم خريطة العالم، مما جعلهم خارج الحسابات السياسية الدولية. فضلًا عن تعرُض السياسيون الكرد الذين شاركوا في المفاوضات للخيانة من قبل القوى العظمى وحتى من زملائهم في الحكومة التركية الجديدة.
هذا التهميش ولّد صراعًا وثورات مستمرة، وكان أبرزها ثورة شيخ سعيد عام 1925، التي جاءت كرد فعل على إنهاء الخلافة العثمانية وإقصاء الكرد من المشهد السياسي. وفي تركيا، أدى قمع هذه الثورة إلى تشديد السياسات القومية ضد الكرد، حيث تم اعتبارهم تهديدًا للدولة الحديثة، مما دفع قسمًا منهم إلى الهجرة إلى الدول المجاورة مثل سوريا والعراق.
على الرغم من ذلك، لم يكن الكرد في البداية منظمين سياسيًا بهدف الانفصال، بل أجبروا على دخول العمل السياسي بعد فشل التنظيم العشائري والديني في حماية مصالحهم. ففي ظل الدولة العثمانية كان لهم ارتباط ديني بالحكم، ولكن مع انهيار الإمبراطورية وفشلهم في الحفاظ عليها، بدأوا بتشكيل الأحزاب السياسية كوسيلة للمطالبة بحقوقهم. لاحقًا، ومع اشتداد القمع، تطورت بعض الحركات إلى تنظيمات عسكرية، لكن النضال السياسي بقي هو الأساس. حتى أكثر الأحزاب الكردية تشددًا، مثل حزب العمال الكردستاني لم يضع الانفصال عن تركيا كأولوية، بل ركز على الحكم الذاتي وحقوق الأقليات.
اليوم، لا تزال القضية الكردية معقدة بسبب العوامل الإقليمية والتاريخية، حيث يدفع الكرد ثمن التحولات الجيوسياسية التي شهدها القرن العشرين. استمرار الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية جعل من حل قضيتهم تحديًا مستمرًا، وما زال البحث عن الاعتراف بحقوقهم الوطنية مستمرًا في ظل الأوضاع المتغيرة في المنطقة.
العمل السياسي الكردي متمثل بما يلي:
أولًا – حزب العمال الكردستاني: (PKK)
تأسس حزب العمال الكردستاني (PKK) عام 1978 على يد عبد الله أوجلان في تركيا، ويُعد أحد أبرز التنظيمات الكردية المسلحة، وله تأثير واسع في المنطقة، على الرغم من أنه بدأ كحركة سياسية وعسكرية تسعى لنيل حقوق الكرد في تركيا، إلا أن أنشطته توسعت وأصبحت له علاقات معقدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
داخل الحزب، هناك عدة أجنحة سياسية وعسكرية، منها:
الجناح التركي، ويمثله عبد الله أوجلان.
الجناح الإيراني، وهو أكثر ارتباطًا بالسياسات الإقليمية الإيرانية، ويمثله جميل بايق.
الجناح السوري، الذي برز مؤخرًا بقيادة مظلوم عبدي، والذي أصبح شخصية محورية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
ثانيًا – قوات سوريا الديمقراطية (قسد):
تُعد “قسد” تحالفًا عسكريًا يضم فصائل متعددة بقيادة كردية، وتُشكل وحدات حماية الشعب (YPG) عمودها الفقري. داخل “قسد”، هناك انقسامات داخلية تتعلق بالولاءات السياسية:
الجناح السوري، بقيادة مظلوم عبدي، الذي يُعرف بكونه ابن الطبيب خليل عبدي من كوباني، وله ارتباط فكري وتأثر بشكل مباشر من أيديولوجية عبد الله أوجلان، لكنه لا يحمل توجهًا انفصاليًا واضحًا، بل يركز على الإدارة الذاتية.
الجناح الإيراني، وهو موجود في مناطق مثل حلب والقامشلي، ويُعتقد أنه يتبع سياسات تتماشى مع المصالح الإيرانية.
الجناح التركي، وهو أقل عددًا في سوريا ويتكون من قيادات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذين جاؤوا من جبال قنديل، مما جعل تركيا تبرر تدخلاتها العسكرية في شمال سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
تأسست قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في 10 أكتوبر 2015 كتحالف عسكري بين فصائل كردية وعربية في شمال وشرق سوريا.
ثالثًا – المجلس الوطني الكردي (ENKS) :
هو مجموعة من الأحزاب السورية الكردية التي لا تتبع أجندات خارجية وتم تأسيسها لتوحيد الرؤية الكردية في بداية الثورة السورية، وشارك في جميع المؤتمرات الدولية ممثلًا عن الكرد في سوريا.
تأسس المجلس الوطني الكردي (ENKS) في 26 أكتوبر 2011 في أربيل، بدعم من إقليم كردستان العراق.
المعضلة الكردية ودور تركيا:
تمتلك تركيا نفوذًا كبيرًا في تحديد مسار القضية الكردية، خاصة وأن العديد من قيادات الأحزاب الكردية المسلحة موجودة داخل تركيا أو لها امتدادات فيها. عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، أبدى في مناسبات عدة استعداده لحل الحزب مقابل تسوية سياسية تشمل عفوًا عامًا عن القيادات وسماحًا لهم باللجوء إلى أوروبا، إلا أن تركيا رفضت هذه العروض حتى الآن، معتبرةً أن الحزب يشكل تهديدًا لأمنها القومي.
التعاطف الكردي الداخلي:
التعاطف بين الكرد لا ينبع فقط من الشعور القومي، بل يتغذى أيضًا على المظلومية التاريخية والتمييز الذي تعرضوا له في الدول التي يعيشون فيها. هذا الشعور بعدم الأمان يعزز من تماسكهم الداخلي رغم اختلاف انتماءاتهم السياسية. بالمقابل، يُلاحظ أن بعض القوميات الأخرى مثل الآشوريين والسريان لديهم فهم أعمق للكرد بسبب تشابه اللغات والعادات، بعكس العرب الذين لا يتحدثون الكردية، مما يخلق فجوة في الفهم المتبادل.
الكرد والإسلام السياسي:
على عكس بعض الحركات السياسية العربية التي استخدمت الإسلام كأداة سياسية، فإن الحركات الكردية لم تستغل الإسلام بنفس الطريقة في مشروعها السياسي، حيث اعتمدت معظم الأحزاب الكردية على الأيديولوجيات اليسارية أو القومية أو الديمقراطية.
الكرد السوريون وحزب العمال الكردستاني:
على الرغم من وجود علاقات وثيقة بين بعض الفصائل الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني، إلا أن الكرد السوريين عمومًا لا ينظرون إلى الحزب بنفس الطريقة التي ينظر بها العرب السوريون إلى التنظيمات المتشددة مثل هيئة تحرير الشام (فرع القاعدة سابقًا في سوريا). الفروقات الأيديولوجية والسياسية بين الطرفين تجعل هذه المقارنة غير دقيقة تمامًا، حيث إن حزب العمال الكردستاني يُمثل مشروعًا قوميًّا يساريًّا، في حين أن الجماعات الجهادية تستند إلى فكر ديني متشدد.
الوضع الكردي في سوريا:
المجلس الوطني الكردي: هو الممثل الشرعي للكرد في سوريا، ويضم مجموعة من الأحزاب الكردية التي تسعى لتحقيق حقوق الكرد ضمن وحدة سوريا. ويركز المجلس على التعاون مع المعارضة السورية والعمل على حل سياسي يضمن للكرد حقوقهم دون المساس بسيادة الدولة السورية.
الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد): سلطات أمر واقع في شمال شرق سوريا، يهيمن عليهما حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وفصائل مسلحة كردية.
قسد تضم وحدات حماية الشعب (YPG) و وحدات حماية المرأة (YPJ)، وتتبع أجندات حزب العمال الكردستاني (PKK)، مما يعقد العلاقة مع تركيا والدول الإقليمية.
الخلافات والتحديات: هناك خلافات كبيرة بين المجلس الوطني الكردي و الإدارة الذاتية، حيث يرى المجلس أن الإدارة الذاتية لا تمثل شرعية الكرد بل هي سلطة محلية تفرض واقعًا عسكريًا. هذا الانقسام بين الأحزاب الكردية يضعف الموقف الكردي بشكل عام، ويؤثر على الوضع الأمني والسياسي في شمال شرق سوريا.
انتهاكات تركيا في سوريا:
النظام التركي يتبع سياسة دعم الإسلام السياسي، ويهدف إلى منع امتداد المد الديمقراطي في المنطقة. في سياق التدخل التركي في سوريا، قامت تركيا بانتهاكات عدة شملت قتل حوالي 3500 سوري على الحدود، وقامت باستقطاع أراضٍ سورية، بما في ذلك مناطق في الشمال السوري.
قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على الرغم من أنها تعتبر الحليف الأساسي للولايات المتحدة في شمال وشرق سوريا، تعرضت لانتقادات من قبل بعض الكرد ومن قبل آخرين في المنطقة بسبب ممارسات مثل التعاون مع النظام السوري في بعض الحالات، والتسبب في قتل الآلاف من الشباب الكردي والعربي بسبب النزاع المستمر. كما أن ممارسات قسد في بعض الأحيان أثارت مشاعر الغضب لدى العرب في المنطقة، وأنتجت عداوات وأحقاد بين الكرد ومحيطهم العربي، حيث أصبح العرب يتهمون الكرد بتسليم بعض المناطق إلى المحتلين وبالتورط بأعمال انتقامية بحق المدنيين لا تقل إرهابًا عن النظام، رغم أن 65% من مقاتلي قسدهم من العرب.
المظالم الكردية في سوريا:
إن الكرد في سوريا يعانون من مظلومية تاريخية كبيرة بسبب تهميشهم من قبل الأنظمة الحاكمة. فمنذ الثمانينات، كان الطلاب الكرد في سوريا يعانون من منعهم من المشاركة في الامتحانات لعدم امتلاكهم الهوية السورية. كما أن العديد من المناطق الكردية تعرضت للإهمال، وعدم توفير الحد الأدنى من الخدمات، بما في ذلك حرمانها من الاستفادة من الموارد الطبيعية مثل النفط. أما اليوم فيؤخذ الكرد جميعهم بجرم قسد ويجردون من حقوقهم بسببها.
الدول القومية:
توجد انقسامات بين الكرد حول الدولة القومية، إذ ترى شريحة واسعة من الكرد أن الدول القومية قد تكون فاشلة ولا تعكس احتياجاتهم. يفضل البعض منهم الانفتاح على الآخرين وإلغاء الحدود، في حين يرى آخرون أن الأمن الكردي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال دولة قومية ذات سيادة. هذه الفكرة تعكس القلق الكردي من أن الكرد قد لا يستطيعون العيش بسلام في دولهم الحالية في ظل التهميش.
أسئلة جوهرية:
الأول: ما هو معيار اعتبار الشخص سوريًا؟
إذا كان المعيار هو الجنسية، فإن أي شخص حصل على الجنسية السورية يعتبر سوريًا بغض النظر عن تاريخه العرقي أو مدة إقامته في سوريا. أما إذا كان العرق هو المعيار، فنحن جميعنا غير سوريين إذ لا وجود لعرق نقي.
ثم يثور تساؤل، هل يقارن الشخص الكردي الذي يقيم في سوريا منذ 40 سنة بالإيراني و الأفغاني الذي جنسه الأسد، أو بالتركماني والأوزبكي الذين جنسهم الشرع؟
الإجابة طبعًا لا، فكل جنسية حول العالم لها معايير خاصة لاكتسابها، لكن بشكل عام تستهدف هذه المعايير التأكد من حسن اندماج الشخص في المجتمع المضيف وتشربه لعادات هذا المجتمع وأعرافه، وإجادته للغة المحكية، وإحترامه للتنوع الديني والثقافي، وكذلك احترامه لدرجة وطبيعة التدين والتمسك بالأعراف في هذا البلد. بناءً على ذلك في سوريا لا يمكننا أن نقبل اعتبار من تجنسوا خلال الحرب مواطنين سوريين، حيث أنهم لم يأتوا كمهاجرين أو لاجئين بل أتوا كمقاتلين مرتزقة، ولم يعتبروا يومًا سوريا موطنًا لهم. بل يعتبروها ساحة لنزاعاتهم الأيديولوجية وأطماحهم الشخصية.
فإن الكرد أو العرب من أصول مختلفة يمكن أن يُعتبروا مواطنين سوريين طالما تم منحهم الجنسية.
الثاني: هل القضية الكردية قضية حقوق مواطنة أم قضية أرض؟
القضية الكردية في سوريا هي قضية حقوق مواطنة بقدر ما هي قضية أرض. حيث أن الكرد في سوريا يعانون من التمييز في الحقوق مثل الحق في التعليم والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية. في الوقت نفسه، هناك مطالبات بالحفاظ على الهوية الكردية، التي قد تشمل حماية اللغة والثقافة.
الثالث: هل يجوز تغيير هوية سوريا بشطب كلمة العربية من تسميتها؟
الحديث عن هوية سوريا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحقوق والمساواة. تسمية الدولة “الجمهورية العربية السورية” تعتبر رمزية بالنسبة للبعض لكنها تثير حساسيات عند البعض الآخر مثل الكرد، الذين يطالبون بتغيير الوضع من خلال ضمان الحقوق المتساوية في دستور جديد يحترم التنوع الثقافي واللغوي في سوريا. إذا توفرت الضمانات الدستورية والحقوق الكاملة لكل مكون من مكونات الشعب السوري، فإن الكرد يمكنهم التعايش بسلام دون الحاجة إلى مطالب متشددة حول التسمية.
فالكردي في ألمانيا أو فرنسا لا يطالب بتغيير هوية الدولة كون النظام هناك نظام منصف وعادل، أما في سوريا وعندما يمنع من مباشرة حق من حقوقه لكونه كردي فمن الطبيعي أن يعرف نفسه بهويته الكردية وليس السورية. إذا التمسك بالهوية هو ردة فعل وليس الأصل كذلك، فكلما ارتفع سقف الحقوق والحريات يتضائل التعصب، وعند استبدال المنظومة الرجعية الاستبداية بأخرى حديثة ديمقراطية ستندثر هذه المشاكل.
لذلك يجب وضع قانون يحمي الجميع ويجب النص على توفير ضمانات اجتماعية للجميع، ويجب أن نضمن وجود دستور يضمن المواطنة المتساوية لكل من يعيش على الأرض السورية منذ أجيال، وكذلك يجب على كل محافظة أن تدبير أمورها بيد أبنائها لكي يتم ضمان عدم تكرار هذه المظلومية في المستقبل.
كما أن التعدد الثقافي واللغوي في الدول الديمقراطية مثل فرنسا، حيث يتم تشجيع اللغات المحلية والتنوع الثقافي، يمكن أن يكون نموذجًا يمكن أن يُحتذى به في سوريا، إذا تم إصلاح النظام السياسي لضمان حقوق الجميع.
الحركة المدنية السورية والتجمع الديمقراطي المدني