
مقترح لتوفير الإحتياجات الإنسانية في سوريا
صرح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن الاحتياجات الإنسانية في سوريا لا تزال ضخمة، مع الحاجة إلى 1.2 مليار دولار لتوفير المساعدات الضرورية لـ 6.7 مليون شخص من الفئات الأكثر ضعفا حتى شهر آذار/ مارس من هذا العالم 2025.
وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إلى أن هذه المساعدات تشمل توفير الغذاء لـ 5.4 مليون شخص، والرعاية الصحية لـ 3 ملايين شخص، والمياه النظيفة والصرف الصحي لـ 2.5 مليون شخص.
وأوضح مكتب أوتشا أن استمرار الأعمال العدائية في شمال شرق سوريا يعيق الجهود الإنسانية، خاصة في مناطق شرق حلب والرقة. ومن بين التحديات، أشار المكتب إلى استمرار تعطل سد تشرين في حلب منذ سبعة أسابيع نتيجة الأعمال العدائية التي تمنع وصول الفرق الإنسانية لإصلاحه. ويحرم هذا الوضع أكثر من 410,000 شخص من الحصول على المياه والكهرباء في منبج وريف عين العرب شرق محافظة حلب.
كما أفاد المكتب بأن الأعمال العدائية المكثفة في منبج خلال الأسبوع الماضي أجبرت 25,000 شخص، من بينهم نساء وأطفال، على الفرار من منازلهم. وفي الشمال الشرقي، لا يزال حوالي 24,000 نازح يعيشون في أكثر من 200 مركز طوارئ جماعي في المنطقة.
وأفادت التقارير بأن أكثر من 50,000 طفل، بمن فيهم أطفال ذوو الإعاقة، محرومون من التعليم، حيث تستخدم مدارسهم كمراكز جماعية لإيواء النازحين. يذكر أن سوريا تستضيف واحدة من أكبر مجموعات السكان النازحين في العالم، حيث يشكل النازحون داخليا حوالي 40% من إجمالي المستهدفين بالمساعدات.
فالكثير من الأسر السورية تعاني من الفقر المدقع بسبب سنوات النزاع وتدهور الاقتصاد وارتفاع تكلفة المعيشة… ووفق إحصاءات الأمم المتحدة يوجد في سوريا اليوم حوالي 13 مليون شخص أي ما يزيد عن 50% من السكان يفتقرون إلى الأمن الغذائي وما يلامس 3 ملايين آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.
والحقيقة – ووفق خبراء – فإن الفجوة بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية هي جوهر المشكلة في المشهد الاقتصادي السوري، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وأن أكثر من ربع السكان يعيشون في فقر مدقع أي أقل من 1.25 دولار في اليوم.
وما يزيد الأزمة في الداخل السوري، تقديرات بأن نحو ما يزيد عن 7 ملايين نسمة تقريبا يعيشون حالة نزوح داخلي.
إن إرتفاع سعر صرف الليرة السورية إلى حوالي 8000 ليرة مقابل الدولار في الأسواق، مع بقاء سعر صرف الليرة السورية عند 13 ألف ليرة في مصرف سوريا المركزي، يعد حالة نادرة أربكت معظم السوريين بسبب انفصال ارتفاع سعر صرف الليرة عن أسعار السلع في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، مع شح كبير في السيولة من الليرة السورية، وركود أو توقف معظم قطاعات الإنتاج، مع انفتاح الأسواق على السلع التركية المستوردة، رخيصة الثمن، وعالية الجودة، مقارنة بنظيرتها السورية، وتحوّل عدد كبير من العاملين إلى عاطلين عن العمل.
وساهم المصرف المركزي في تعقيد هذه المعضلة، عبر امتناعه – برفقة البنوك – عن تصريف الدولار أو شراء الليرة، بصورة مطلقة.
منذ عملية ردع العدوان وحتى التحرير كانت العمليات العسكرية – من إدلب إلى حلب وحماة – تجري بوتيرة متسارعة، مع تناغم واستجابة فورية من منظمات المجتمع المدني التي تعمل منذ أكثر من عشر سنوات في مناطق شمال غرب سورية. وما إن تتحرر المدن حتى تدخلها قوات ضبط أمني، وتباشر المنظمات نشاطها بمخزون إغاثي موجود مسبقاً، ضمن خطط التمويل السابقة.
أما في مناطق النظام السابق وبحسب تقديرات “الأوتشا” التي وثّقت الجمعيات والمنظمات العاملة تحت سلطة الحكومة السابقة، يوجد حوالي 120 منظمة تعمل في جميع المحافظات حتى بداية عملية ردع العدوان.
هذه المنظمات والجمعيات كانت متمركزة تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي اتسمت بالبيروقراطية واستنزفت الكوادر البشرية من خلال صبغتها الوظيفية التقليدية. كما ابتلعت شبكات الفساد البعد الإنساني للمجتمع المدني، مثل “الأمانة السورية للتنمية”، التي عملت في الظاهر على الحماية والإغاثة، لكنها في المضمون كانت أداة أمنية.
استندت الدولة إلى قانون الجمعيات لعام 1958 (القانون رقم 39 وتعديلاته لعام 1969)، الذي منحها سيطرة كاملة على المجتمع ومؤسساته. من أبرز قرارات هذا القانون دمج الجمعيات ذات الأنشطة المتشابهة في إطار واحد، مما قيّد حرية تأسيس جمعيات جديدة، رغم وجود مناطق جغرافية غير مغطاة. ومنح القانون الدولة الحق في حل الجمعيات دون اللجوء إلى القضاء، مما أتاح المجال لحلها تحت ذرائع مثل “تهديد أمن الدولة”، بناءً على ضغوط من وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والعسكرية عند دراسة طلبات الترشح. كما فرضت الوزارة شروطاً مشددة على مراقبة وتشبيك الجمعيات المحلية بمصادر التمويل الخارجية والداخلية، ما جعل العمل المدني خاضعاً بالكامل لسيطرة السلطة. بالإضافة إلى ذلك، صدرت قوانين أخرى للهيمنة على العمل المدني، مثل القانون رقم 33 لعام 1975، الذي منح الاتحادات العامة – كالاتحاد العام النسائي واتحاد العمال – حق احتكار الأنشطة الخاصة بمجالاتها. فعلى سبيل المثال، يحظر القانون تشكيل أي جمعية تُعنى بشؤون المرأة خارج مظلة الاتحاد العام النسائي، باعتبار ذلك انتهاكاً لأحكامه.
احتكرت شبكات الفساد أيضاً فرص الحصول على الدورات والتأهيل المهني، فأصبحت هذه الفرص حكراً على المقربين من إدارات المنظمات. كما ضُيّقت فرص العمل الإنساني من خلال آليات توظيف تعتمد على الوساطات والعلاقات الشخصية مع المسؤولين والضباط. منذ عام 2011 استمر المجتمع المدني في مناطق النظام السابق في العمل بالنمط نفسه خلال كل أزمة إنسانية، رغم شح الموارد وضعف البنية المؤسسية للمنظمات والجمعيات.
ومما سبق فقد كان الوضع في دمشق سابقا أسوأ مقارنة ببقية المحافظات لعدم توفر الخدمات والإغاثة التي كانت متوفرة في المناطق المحررة. واعتمدت السلطة سياسات ممنهجة لإذلال السكان وتجاهل احتياجاتهم ومعاناتهم مع الفقر.
اختلفت مواقف هذه الجمعيات في التفاعل مع الأحداث الجارية، إذ فضّلت بعض الجمعيات الصمت تجاه ما حدث، حتى بعد تحرير دمشق بأسبوع، على سبيل المثال، “اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق”، الذي ينضوي تحت مظلته عدد من الجمعيات الخاضعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، اكتفى بنشر أخبار عن اجتماعاته مع وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ دون أن يكون له دور ملموس على الأرض .كذلك كان موقف “بصمة شباب سورية”، وهي مجموعة شبابية منظمة كانت تدعم قوات الدفاع الوطني والجيش السوري من خلال حملات تبرعات لعائلات الجنود في جميع المحافظات السورية.
من جهة أخرى، أبدت بعض الجمعيات مواقف صريحة منذ يوم تحرير دمشق، وقدمت تهانيها علناً، وطلبت مساعدات وتبرعات أهلية للاستمرار في عملها.
لذا وجدت سلطة دمشق نفسها في وضع إنساني متأزم، وأيضا بسبب بُعدها عن مناطق نشاط المنظمات المدنية، بالإضافة إلى غياب المنظمات الدولية ببرامج مستقلة عن الجمعيات المحلية، التي كانت خاضعة لسيطرة السلطة. ولم تتمكن الجمعيات المحلية من الانتقال بسرعة من خدمة النظام الحاكم إلى خدمة الشعب السوري، كما أن المخازن والمستودعات كانت شبه خالية نتيجة الاستنزاف المستمر للمساعدات وسرقة المعونات وبيعها في الأسواق. وغياب آليات المراقبة والتقييم زاد من تفاقم هذه الأزمة، ما جعل الوضع الإنساني أكثر هشاشة.
عليه نطالب نحن الحركة المدنية السورية والتجمع الديمقراطي المدني، الحكومة أن تستخدم نظام البطاقة الذكيّة وتضمين كافّة المساعدات الإنسانية في هذا النظام لضمان التوزيع العادل وغير المتحيّز لفئة محددة عن طريق:
أولا: افتتاح مكاتب للتسجيل على البطاقة الذكيّة في المخيّمات السورية وكافّة المحافظات والمدن، لتوفير هذه البطاقة لغير الحائزين عليها.
ثانيا: تضمين وإضافة الجمعيات الخيرية المرخّصة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعيّة والعمل للسماح للمستفيدين باختيار أقرب جمعية أو منظمة أو مركز توزيع لمكان سكنه.
ثالثا: ضمان استقلاليّة نظام البطاقة الذكيّة بربطها إداريًّا بلجان أهليّة مستقلة عن الحكومة، مع تحديد آليّة رقابة حكوميّة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على هذا النظام. فضلًا عن تخصيص خط ساخن لتقديم الشكاوى من المواطنين.
رابعا: تطوير تطبيق البطاقة الذكية بما يسمح للمستفيدين باختيار المساعدات الأكثر إلحاحًا بالنسبة لهم كي يتم تفادي بيع المستفيدين لمساعدات قُدمت لهم دون رغم عدم حاجتهم لها بغرض شراء منتجات أخرى هم أكثر حاجة لها.
الحركة المدنية السورية والتجمع الديمقراطي المدني
المراجع:
(1) https://news.un.org/ar/story/2025/01/1138631