
سوريا دولة الفساد (15): الآثار الاجتماعية للفساد
الآثار الاجتماعية للفساد:
الآثار الإيجابية:
يرى البعض أنّ الفساد يتيح للأقليات العرقية والطائفية المحرومة فرصًا للارتقاء في السلّم الاجتماعي، ممّا يحقق المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، كما يُعدّ الفساد وسيلةً لتلبية بعض المطالب الاجتماعية للمواطنين كما في حالة تقديم الرشوة داخل مستشفى حكومي ممّا يُمكن المريض من تلقي عنايةٍ طبيةٍ خاصة. وانتقد المعارضون هذه المبررات لأنّ صعود الأقليات في السلّم الاجتماعي بطرقٍ غير مشروعةٍ يؤدي إلى عدم المساواة، حيث تصل إلى السلطة الأقلية الغنية وتُحرم من ذلك الأغلبية الفقيرة، كما أنّ الفساد لا يُعدّ وسيلةً لتلبية المطالب الاجتماعية للمواطنين فهذه المطالب يمكن الوصول إليها بطرقٍ قانونيةٍ ومشروعة.
الآثار السلبية:
إنّ الفساد يؤدي إلى انهيار البيئة الاجتماعية والثقافية ويهدد النسيج الأخلاقي للمجتمع، حيث يؤدي إلى تخلي الأفراد عن القيم والمبادئ من أجل الحصول على منافعٍ ماديةٍ دون وجه حقّ، فيصبح ارتكاب جرائم الفساد مهارةً بينما الاجتهاد والتمسك بالأخلاق تخلفًا وغباءً، فتنشأ أجيالٌ على هذه القيم والمبادئ الفاسدة ممّا يؤدي إلى شيوع عدم الاهتمام بالعمل والعلم والاجتهاد كوسيلةٍ للكسب المشروع. كما يؤدي الفساد إلى سيادة قيمٍ جديدةٍ هجينةٍ في المجتمع الذي ينتشر فيه، فتتخذ الرشوة ومثيلاتها بالتدريج شكلًا جديدًا مشكلةً نظامًا جديدًا للحوافز بديلًا عن الرواتب، ممّا يدفع الكثير من الناس للترويج للفساد والدفاع عنه، مطلقين عليه تسمية (الفساد المنتج).
بالإضافة إلى ذلك يؤدي الفساد إلى ارتفاع معدلات البطالة؛ فعندما يُحرم الأشخاص الأكفّاء من شغل المناصب المناسبة لهم لصالح آخرين يشغلونها بالوساطة أو المحسوبية، يشعرون بالإحباط لاسيّما كلّما تكرر ذلك ليفقد بعضهم في النهاية الرغبة في العمل، فتكون البطالة الاختيارية. كما أنّ جعل أناسٍ يحتلون مناصبًا لا تتناسب مع قدراتهم ولا مؤهلاتهم يؤدي إلى عدم قيامهم بوظيفتهم على أكمل وجه، فلا يخدمون الوظيفة بأيّ شيء ولا يُسهمون في تنمية وتطوير العمل الموكل إليهم، فيتحولون إلى أشخاصٍ يعملون في الظاهر ولكن لا يعملون في الواقع، فتكون البطالة المقنعّة. فضلًا عن البطالة يؤدي الفساد إلى تدني مستوى المعيشة، فمحاولة أصحاب الأموال القذرة إخفاءها في الخارج يؤدي إلى تعطيل جزءٍ من الدخل الوطني الموجه للاستثمارات اللازمة لتوفير فرص عملٍ للمواطنين، كما أنّ الفساد يؤدي إلى الاختلال في توزيع الثروة على أفراد المجتمع ممّا يزيد عدد الفقراء، فلا يصعد إلى قمة الهرم الاجتماعي إلّا قلة من الأثرياء الذين حصلوا على ثرواتهم بطرقٍ غير مشروعة، وتنجح هذه الفئات في إنشاء علاقاتٍ وطيدةٍ مع كبار المسؤولين ورجال الأعمال، ممّا يزيد من حدة التفاوت الطبقي بين فئات المجتمع وهذا يؤدي إلى احتقار الأثرياء للمحيطين بهم، ممّا يولد صراعًا طبقيًا قد ينجم عنه نزاعاتٌ اجتماعيةٌ خطيرةٌ.
ويهدد الفساد الاستقرار الاجتماعي أيضًا لأنه يعرقل تحقيق الرفاهية الاجتماعية ويحول دون وصول الدعم إلى الفئات المحرومة، فهو يؤدي إلى تحويل الأموال عن برامج التنمية الاجتماعية فيتراجع الإنفاق على التعليم ممّا يؤدي إلى ازدياد معدل الأميّة، ويتراجع الإنفاق على الصحة ممّا يؤدي إلى انتشار الأمراض. كما يؤدي الفساد إلى تهميش المرأة وعرقلة تأديتها لدورها الكامل في المجتمع، بمنعها من تنمية قدراتها فهي دومًا الأقل حظًا في الطبقات الاجتماعية الفقيرة. كما يزيد الفساد من تهميش الفقراء وتعزيز شعورهم بالاضطهاد، ممّا يولّد لديهم الرغبة بالانتقام، فيلجؤون إلى العنف وارتكاب مختلف أنواع الجرائم بصفةٍ عامةٍ فتنتشر الجريمة، كما يؤدي الفساد إلى شيوع الجريمة المنظمة في الدولة، فغالبًا ما تستخدم مجموعات الجريمة المنظمة الرشوة بتقديمها حصةً من أرباحها إلى كبار ضباط الشرطة لإشراكهم في تغطية أنشطتها غير المشروعة، ممّا يزيد من وقوع الجرائم المتعلقة بالمخدرات والسلاح وغسل الأموال وغيرها…
سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني