سوريا دولة الفساد (14): الآثار القانونية للفساد
الآثار القانونية للفساد:
إنّ للفساد آثارًا وخيمةً على المنظومة القانونية والقضائية في الدولة، فالفساد يؤدي إلى ظهور تشريعاتٍ تساعد الفاسدين على التهرّب من العقاب لما فيها من ثغراتٍ قانونية، بالإضافة إلى عدم فاعليتها وإن كانت كافيةً ورادعةً نتيجة فساد القائمين على تنفيذها من العاملين بالأجهزة الأمنية والرقابية والقضائية، يُضاف إلى ذلك بطء إجراءات المحاكمات حيث يلجأ الفاسدون إلى عرقلة إجراءات التقاضي باستخدام أساليبٍ ملتويةٍ. كما يؤدي الفساد إلى عدم احترام القانون والمؤسسات القضائية والدستورية، لا بل مخالفة القانون من جانب المواطنين عندما يرون أنّ القوانين تطبق بشكلٍ انتقائي على الموظّفين الصغار ممّن هم خارج شبكة الفاسدين الكبار، فيشعر المواطنون بالظلم ويفقدون ثقتهم بالمؤسسات الحكومية والقضائية، ممّا يحفّزهم على التهرّب من الضرائب وعدم المحافظة على المرافق العامة، وبالتالي انخفاض إيرادات الدولة وزيادة نفقاتها ممّا يعرقل قدرتها على تقديم الخدمات العامة.
كما أنّ الفساد عمومًا يمكن أن يُشكل انتهاكًا مباشرًا لحقوق الإنسان عندما يكون القصد منه تقييد تلك الحقوق والتمتع بها، فلا يمكن تصور احترام حقوق الإنسان إذا كانت الشرطة أو الجيش لا يحترم تلك الحقوق، أو إذا كان القضاء مسيسًا أو يقبل الرشاوى. ويمكن أن يشكل الفساد انتهاكًا غير مباشرٍ لحقوق الإنسان عندما يقوم أصحاب السلطة والنفوذ بالقيام بأفعالٍ لا تُعّد بحدّ ذاتها انتهاكًا لحقوق الإنسان، ولكنها تؤدي بالنتيجة إلى انتهاك هذه الحقوق، ومثال ذلك قيام أصحاب النفوذ باستيفاء مبالغٍ أو رسومٍ مقابل الخدمات التي يقدمونها للأفراد كخدمة التعليم، وهي بالأساس مجانيةٌ وتلتزم الدولة بتوفيرها، إذ تُعّد من الحقوق الطبيعية للإنسان.
والعلاقة بين ازياد الفساد والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية للأفراد المنصوص عليها دستوريًا هي علاقةٌ طرديةً؛ حيث يعيق الفساد المشاركة الشعبية في الشؤون العامة، ويمتد تأثيره إلى الحقّ في التصويت والانتخاب، إذ قد يؤدي إلى عدم إدراج أسماء بعض الناخبين في منطقةٍ معينة، أو إدراج أسماء أشخاصٍ غير مؤهلين للانتخاب، كما يؤدي إلى التلاعب بأصوات الناخبين من خلال إهمال بعض الأصوات دون غيرها، أو حساب أصوات جهةٍ معينةٍ إلى جهةٍ أخرى، أو إبدال الأصوات من خلال تزوير بطاقات الاقتراع، وكذلك قد يؤدي إلى استبعاد بعض المرشحين بصورةٍ غير قانونية، أو إبطال بعض بطاقات التصويت بصورةٍ عمدية. كما يهدر الفساد حقّ المساواة؛ إذ يفتح الباب لتفضيل جهةٍ معينةٍ على أخرى أو فردٍ على آخر في مجال التعيين ومنح الامتيازات في الوظيفة العامة، وكذلك الحصول على العقود الحكومية. وقد يمس الفساد بحق الحياة كالتعاقد على وجبات للسجناء غير موافقةٍ للشروط الصحية. كما قد يهدد أمن الدولة والأفراد، كما في حالة استيراد أجهزةٍ وأسلحةٍ للجيش والأجهزة الأمنية ذات جودةٍ رديئة.
وكما يؤثر الفساد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للإنسان؛ إذ يؤثر بصورةٍ مباشرةٍ على الفئات الضعيفة من المجتمع، من خلال تحويل الموارد المخصصة لمعالجة مشاكل هذه الفئات ومحاربة الفقر والمرض، إلى جيوب أصحاب النفوذ. ويؤثر الفساد على حقّ العمل والحصول على الأجر؛ إذ يتحول العمل إلى حقّ ٍ مبنيٍ على أساس التمييز بين الناس، ويؤدي إلى تأخر صرف الأجور أو الانتقاص منها. ويمس الفساد بحق الإنسان بالرعاية الصحية من خلال الإخلال بمبدأ المساواة في معاملة المرضى، والتساهل في تدقيق صلاحيات الأدوية أو توريد أدويةٍ وأجهزةٍ رديئةٍ، أو إنشاء مستشفياتٍ مخالفةٍ للمواصفات ممّا يؤدي إلى انهيار البنية التحتية لوزارة الصحة. وينتهك الفساد الحقّ في التعليم حيث يؤدي إلى تعيين معلمين غير مؤهلين، وإلى التساهل في الدروس وكذلك بيع الأسئلة أو تسريبها، فضلًا عن عدم توفير المدارس بعددٍ كافٍ للطلبة وعدم تجهيزها بما تحتاج إليه من مستلزماتٍ حديثة. وأخيرًا ينتهك الفساد حقّ الإنسان في السكن؛ إذ يُسهّل عمليات الإخلاء القسري أو التعسفي دون وجه حقّ ودون تعويض، ويؤدي إلى حرمان الفقراء من الأولوية في إشغال الوحدات السكنية، ويفتح الباب لاختلاس الأموال المخصصة لبناء هذه الوحدات، أو إرساء المناقصات على شركاتٍ غير كفوءة.
سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني