مقالات الأعضاء

سوريا دولة الفساد (11): أسباب تفاقم الفساد في الدول العربية (2)

سادسًا: أسبابٌ أخرى لتفاقم الفساد في الدول العربية:

         5- توزيع المناصب والمسؤوليات دون اعتبار للكفاءات:

إنّ نجاح أيّة مؤسسة لا يعتمد فقط على كفاءة الرئيس بل كفاءة المرؤوسين أيضًا، وعليه فيجب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فلكلّ وظيفةٍ مواصفاتها ومؤهلاتٌ يجب أن تتوفر في شاغلها، كالمؤهل العلمي، والخبرة السابقة، والسلوك المناسب، والقدرة على التعامل مع المشاكل اليومية للوظيفة، والتعامل مع العملاء وأصحاب المصالح. والحاكم الفاسد يُحيط نفسه بمجموعة من الموظّفين الموالين له ليعاونوه على بقاء الفساد وإخفائه بكلّ الطرق الممكنة، حتى لا تنكشف أساليبه غير الشرعية التي يستخدمها لزيادة ما يكسبه من  مال، وقد يذهب الحاكم الفاسد إلى أبعد من ذلك حيث يقوم بإصدار قوانينٍ عن طريق مجالسٍ شعبيةٍ تكونت بتزوير الانتخابات تدعم أفعاله ليوهم الشعب أنّه لا يخالف القانون، كما أنّه في معظم الدول العربية يقوم الحزب الفائز بأغلبية مجلس الشعب أو مجلس الأعيان بترشيح رئيس الجمهورية بحيث يكون هو المرشح الوحيد لرئاسة البلاد، ويتولّى أعضاء من نفس الحزب المراكز الحساسة في البلاد، وبهذا يُصرف النظر عن الكفاءات والمؤهلات ويصبح العمل الفاسد هو القاعدة والعمل الشريف هو الاستثناء.

          6- تهميش المرأة:

المرأة هي نصف المجتمع وبتهميشها يُحرم المجتمع من كفاءاتٍ عديدة، فإقصاء المرأة من المناصب القيادية في الدول العربية هو الأبرز على المستوى السياسي، بالإضافة إلى ما تعانيه من إقصاء على المستوى الاجتماعي، فالتيارات الأصولية في المجتمعات العربية طالبت بعودة المرأة إلى المنزل وتقليص مشاركتها في المجتمع كجزءٍ من مشروعهم للسيطرة على الحكم، عن طريق منع الاختلاط بين الذكور والإناث وفرض الحجاب على المرأة واعتبارها عورةً يجب سترها وكتم صوتها، فضلًا عمّا تعانيه الفتيات العربيات من مشاكل إكمال تعليمهن المدرسي، فمعدلات الأميّة بين الإناث ما زالت أعلى من مثيلتها بالنسبة للذكور ويرجع ذلك إلى عددٍ من المعوقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وبعض من العادات والتقاليد كزواج الصغيرات وتحمل عبء الأعمال المنزلية والتمييز بين الذكر والأنثى والفقر ممّا يعوق دراستهن ويدفعهن إلى ترك الدراسة، فيخسر المجتمع نصف قوّته العاملة ونصف عقوله، وهو في أشد الحاجة لتعبئة شعبيّةٍ ومشاركةٍ فعّالةٍ لكل فردٍ من أفراده ليتسنّى له مواجهة ظاهرة شديدة الخطورة ألا وهي الفساد. ومن الملفت للنظر وجود ارتباطٍ بين جنس الشخص (ذكر أو أنثى) ومدى استعداده لارتكاب جرائم الفساد، فقد وجدت دراسة للبنك الدولي لعينةٍ من 66 دولة عام 1999 أنّ الدول التي تتميّز بارتفاع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة وفي البرلمان كانت حكوماتها أكثر شفافيةً وأقلّ فسادًا.وأكّدت نتيجة هذه الدراسة دراسة أخرى أجرتها جامعة رايس في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2013، أنّ النساء أقلّ تسامحًا مع الفساد مقارنةً بالرجال.

          7- تفشي البطالة:

البطالة تؤدي إلى الفقر وركود الحياة الاقتصادية والخمول وفقدان الإحساس بالوقت، وتولّد الكثير من الآفات الاجتماعية والنفسية وأهمها الفساد، والمسؤولون العرب لا يولون اهتمامًا كافيًا للأنشطة اللازمة لتأهيل الشباب وتحويل طاقتهم إلى عملٍ مفيدٍ في جوٍّ من الحرية والعدالة الاجتماعية. ووفقًا لتقرير منظمة العمل الدوليّة لعام 2020 وصل معدّل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 عامًا نحو 34.3% عام 2020 و 34% عام 2019، وهؤلاء غير منخرطين كذلك في دراسةٍ أو تدريب، وتشكّل الفتيات غالبية هذه الشريحة، فالفتيات العاطلات عن العمل يشكّلن أربعة أضعاف الذكور. بينما نسبة العاملين من الشباب من ذات الفئة العمرية تعادل 21.4% عام 2019، بينما العاملين الكبار ممّن هم يتجاوزون 25 عامًا فنسبتهم 55.8%، أيّ بمعنى آخر – وفق استنتاج الباحثة- تصل نسبة البطالة بين الكبار إلى 45.2%، وهذه النسب غير مبشّرة إذا ما قورنت بالنسب العالمية، فنسبة العاملين من الشباب 35.6% والكبار 63.2%. ويشير تقرير آفاق الاقتصاد العربي لعام 2019 الصادر عن صندوق النقد العربي وصل معدّل البطالة في الدول العربية إلى 10% من السكان، وهو ضعف معدّل البطالة في العالم، ويُمثّل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 – 24 عامًا نحو 42% من مجمل العاطلين عن العمل في عام 2018، بينما تبلغ نسبة الإناث حوالي 30% وهو ما يفوق ضعفي المعدلات العالمية، وتتركز البطالة كذلك بين أوساط المتعلمين والداخلين الجُدد إلى أسواق العمل في معظم الدول العربية.

       8- التخوّف من الحركات المتشددة دينيًّا:

رفعت بعض الحركات الدينية المناهضة للأنظمة الاستبداديّة في الدول العربية شعاراتٍ عديدةً مثل « الإسلام هو الحل» و« الحاكمية لله»، محاولةً الصعود إلى السلطة العليا للبلاد لتطبيق الشريعة الإسلامية حسب زعمها، مُتخذةً الإسلام غطاءً إيديولوجيًا لوصولها إلى السلطة، وهذه الجماعات اعتبرت الديمقراطية كفرًا؛ لأنّها تعني حكم الشعب للشعب، فهي ترى أنّ القرآن هو الدستور ومصدر القوانين لا الشعب. ونتيجة انتشار الجهل في معظم البلاد العربية وعمق الوازع الديني في تصرفات عامّة الشعب، الذي يسارع إلى تصديق أيّ شعارٍ فقط لأنّ قائله يظهر بمظهر المتدين الورع، حتى وإن كان بعيدًا عن جوهر الدين الإسلامي، ممّا أثار تخوّف غير المسلمين من وصول هذه الحركات إلى السلطة، بل حتّى أنّ بعض المسلمون يتعاملون مع هذه الحركات بحذرٍ وخوف، لما يحمله أتباعها من أفكارٍ متشددةٍ تتعارض مع عقلانيّة الإسلام ويسره، ممّا أضرّ بصورة هذا الدين في أذهان عموم الناس فأصبحوا يخشون الخروج والتمرّد على الحكم الاستبدادي الفاسد خوفًا من تولّي هؤلاء السلطة، ممّا يُعيق حركة التغيير في النظام السياسي الساعي لمحاربة الفساد والتخلّص منه.

سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى