سوريا دولة الفساد (9) الأسباب القانونية والإدارية للفساد
أسباب الفساد
رابعا: الأسباب القانونية والقضائية
ومن أبرزها الازدواج في تطبيق النصوص القانونية وتفسيرها تبعًا لأطراف العلاقة، والمحاباة والتساهل لصالح الأغنياء وذوي النفوذ. بالإضافة إلى الإجراءات الروتينية المعقدة سواء من طرف الإدارة العامة أو القضاء، وكذلك عدم كفاية النصوص القانونية التي ترصد عقوباتٍ رادعةً لأفعال الفساد أو قصورها عن تجريم السلوكيات الفاسدة المستجدة، وحتى وإن كانت هذه النصوص القانونية كافية إلّا أنّها في كثير من الأحيان تكون معطّلةً وغير مفعّلةٍ أو تُطبق بشكلٍ انتقائي، وذات الأمر بالنسبة للقواعد القانونية الإجرائية الشكلية فليس هناك قواعدٌ إجرائيةٌ تنسجم مع قضايا الفساد وتواكب الوسائل الحديثة التي تستخدمها شبكات الفساد وعصابات الرشوة وتبييض الأموال، حيث تتمسك المؤسسة القضائية والجهات الأمنية بالأساليب التقليدية في التحرّي والتحقيق وإثبات التهم ممّا يؤدي إلى إفلات الكثيرين من العقاب. ومن أخطر الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الفساد هو فساد الجهاز القضائي نفسه، حيث يجنّد الفاسدين بعض القضاة مباشرةً أو عن طريق المحامين ليتولوا حمايتهم مقابل مبالغٍ كبيرةٍ، فضلًا عن ضعف الجهاز القضائي وعدم قدرته على تنفيذ الأحكام التي يصدرها ضد السلطة التنفيذية.
هذا بالإضافة إلى وجود قوانينٍ تخوّل المسؤولين صلاحياتٍ وسلطةً تقديريةً واسعةً ممّا يفتح المجال أمامهم لتمرير صفقات الفساد. فعلى سبيل المثال تزيد فرص الفساد في مجال جباية الضرائب عندما يكون هناك فرصةً للاجتهاد بسبب عدم وضوح القانون، أو عندما يُترك هامشٌ لتقدير الموظّف؛ إذ يجد المكلّف أمامه فرصةً لاستغلال ضعف إرادة الموظّف أو سوء أمانته من أجل تجنّب العبء الضريبي كلّيًا أو جزئيّا، ويتفاقم هذا السلوك عندما تكون الضرائب مرهقةً ويشعر المكلّف بأنّه مغبونٌ، أو عندما يكون غاضبًا من هدر المال العام من قِبل الحكومة.
وأخيرًا من الأسباب القانونية لانتشار الفساد غموض القوانين وتعارضها واحتوائها على الكثير من الاستثناءات ممّا يعطي المسؤول فرصة التهرّب من تنفيذها أو تفسيرها بما يحقق مصالحه ويتعارض مع المصلحة العامة ومع الغرض من وجودها.
خامسًا: الأسباب الإدارية
من أسباب الفساد الإدارية تضخم الجهاز الإداري، ففي الدول النامية على وجه الخصوص يشهد القطاع الحكومي توسعًا ملحوظًا استجابةً للزيادة المفرطة في حجم الطلب على الخدمات، إلّا أنّ عملية التوسع هذه تجاوزت المعقول حيث ازداد عدد الموظّفين بشكلٍ كبيرٍ مقابل ثبات حجم النشاط الإداري؛ وهذا يرجع إلى إسراف بعض القيادات في تعيين أنصارهم وأتباعهم بغض النظر عن كفاءتهم وعن متطلبات العمل، ممّا أدى إلى تفشي الإهمال وتداخل الاختصاصات، وهذا أدى بدوره إلى افتقاد الإدارة للتنظيم السليم، ممّا زاد من صعوبة إنجاز المعاملات الإدارية وفتح الطريق أمام ظهور الموظّفين الفاسدين وتفشي الفساد. وذلك بالإضافة إلى تعقيد الإجراءات الإدارية وغلبة الطابع البيروقراطي على الإدارة، وعدم انضباط الموظفين بمواعيد العمل، والذي يؤدي إلى التسويف والمماطلة والتأخير في إنجاز المعاملات الإدارية، حيث يظل صاحب المعاملة ينتقل بين أروقة المكاتب دون تمكنه من معرفة المطلوب منه رغم أن المكاتب مكتظة بالموظّفين، هذا كلّه يجعل أصحاب المعاملات يبحثون عن طرقٍ أسرع لإنجاز معاملاتهم، وإن كانت غير مشروعة كالرشوة والواسطة وغيرها.
بالإضافة إلى السبب السابق يُعتبر تركيز السلطات والصلاحيات في قمة الهرم الإداري، وقصور التفويض للمستويات الإدارية الدنيا أحد أهم الأسباب المباشرة للفساد، ورغم أن بعض الدول النامية أخذت بالنظام اللامركزي في قوانينها إلّا أنّ التطبيق العملي أثبت تركيز السلطة بالمستويات العليا كالوزارات وغيره، فيقتصر دور المستويات الإدارية الدنيا على تنفيذ قرارات المستويات العليا التي تكون غالبًا غير سليمةٍ لبعد الموظّف متخذ القرار عن مكان تنفيذه، كما أنّ انشغال كبار المسؤولين بالأمور الصغيرة نظرًا للمركزية الشديدة، لا يُبقي لديهم الوقت الكافي للالتفات إلى الأمور الاستراتيجية، وكلّ هذا يؤدي إلى اختناق العمل وبطء القرارات الإدارية وانخفاض مستوى الأداء، ورغم أنّ الموظّفين في المستويات الدنيا للإدارة ممنوعون من اتخاذ القرارات، فهم يتحملون المسؤولية في حال حدوث أيّة مشكلة، فلا تناسب بين السلطة والمسؤولية.
ويُعزز دور كلّ الأسباب السابقة غياب آليات المساءلة والشفافية سواء الخارجية المعتمدة على القنوات الديمقراطية التي تُتيح للشعب فرصة مساءلة حكومته عن طريق الانتخابات ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، أو الداخلية المستندة إلى مبدأ الفصل بين السلطات وإقامة أجهزةٍ رقابيةٍ فعّالةٍ ومستقلّةٍ.
سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني