مقالات الأعضاء

سوريا دولة الفساد (8) الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للفساد

أسباب الفساد

ثانيًا: الأسباب الاجتماعيّة

          إنّ الموظّف العام هو جزءٌ من المجتمع لا يمكن أن ينفصل عنه لذا فإن سلوكياته تتأثر بالعادات والقيم السائدة فيه، وهناك العديد من التقاليد الاجتماعية السلبية التي تساهم في نشر مظاهر الفساد، ومنها تلك التقاليد التي ترسخ الولاءات الطبقية والعلاقات العرقية والقبلية والأسرية التي تساهم في تحيّز الشخص ومحاباته لأقربائه، وكذلك من الأسباب الاجتماعية للفساد توظيف الانتماءات الفئوية في العمل الرسمي، وفساد الأخلاق وانحراف القيم والترويج لبعض مظاهر الفساد لدرجة اعتبار الاختلاس شطارة والرشوة إكرامية، فيسمي المجتمع الفساد بغير مسمّاه الحقيقي. بالإضافة إلى ذلك فإن شيوع سلوكيات الإسراف والتفاخر والترف الزائد والتباهي بمقدار ما يملك الشخص من ثروة يدفع الموظّفين إلى ممارسة الفساد وغيره من الطرق المنحرفة لمسايرة هذه العادات، كما يستغل بعض الموظّفين تدني مستوى التعليم وعدم وعي المواطن بحقوقه وبالقانون لابتزازه فيطلبون منه رشوةً مقابل تقديم خدمةٍ مستحقةٍ له أصلًا.

كذلك فإن الثقافة المجتمعية ترسخ في بعض الأحيان سلوكياتٍ ومعتقداتٍ سلبيةٍ تؤدي إلى استشراء الفساد، كضعف الوعي بأهمية الوقت وعدم الالتزام بالمواعيد وعدم الاهتمام بحرمة المال العام وتقبل إساءة استخدام سيارات الإدارة لأغراضٍ شخصيةٍ، وثقافة ردّ الجميل والاعتراف بما للغير من فضلٍ سابقٍ بفضلٍ يقابله ولو على حساب المصلحة العامة.

ومن الأفكار التي تؤدي إلى تفشي الفساد الفكرة السائدة في المجتمعات وخصوصًا في مرحلة ما بعد الاستعمار، حيث يُنظر إلى الحكومة على أنها مرتبطة بالحكومة الاستعمارية ممّا يؤدي إلى تبرير اختلاس المال العام. ومن الأسباب الاجتماعية لانتشار الفساد أيضًا العوامل النفسية التي قد تكون داخلية، فبعض الأفراد يكونون أشرارًا بطبيعتهم. وقد تكون خارجيةً تتمثل بعلاقة الفرد مع المجتمع، فقد يشكل الأقران والزملاء ضغطًا كبيرًا على زملائهم فيدفعونهم لسلوك طريق الفساد، فالشخص الذي يكون في موقفٍ يمكن أن يتلقى منه رشوةً ولا يستغل هذه الفرصة هو غبيٌ وأحمق ٌمن وجهة نظرهم. ومن الملفت للنظر وجود ارتباطٍ بين جنس الشخص (ذكر أو أنثى) ومدى استعداده لارتكاب جرائم الفساد، فقد وجدت دراسة للبنك الدولي لعينة من 66 دولة عام 1999 أنّ الدول التي تتميّز بارتفاع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة وفي البرلمان كانت حكوماتها أكثر شفافيةً وأقلّ فسادًا.

         ثالثًا: الأسباب الاقتصادية

          من الأسباب الرئيسية للفساد سيطرة الدولة على معظم المشروعات والمعاملات الخاصة، واحتكار معظم الخدمات الأساسية، فاتساع تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية يؤدي إلى تفشي ظاهرة الفساد؛ لأنّ الأفراد يميلون بطبيعتهم إلى رشوة المسؤولين لتخطي الإجراءات الروتينية.

ويظهر تدخل الدولة في عدة أشكال منها: أ- السياسات الحمائية: فعندما تقوم الدولة بحماية صناعاتها المحلية تفرض قيودًا على الاستيراد، فيتعمّد أصحاب المشروعات الخاصة رشوة المسؤولين الحكوميين من أجل الحصول على إجازات الاستيراد، وكذلك يقوم المنتجون المحليون برشوة المسؤولين الحكوميين من أجل ضمان استمرار حماية صناعاتهم المحلية وتقليل المنافسة الخارجية. ب- الإعانات الحكومية: فالفساد يستشري في ظلّ السياسات المالية التي لا تصمم بشكلٍ جيد للصناعات المستهدفة بالإعانات، فكلّما كانت الإعانات كبيرة ازداد مؤشر الفساد. ج- التحكم بالأسعار: فانخفاض أسعار السلع المقدمة من الحكومة عن سعر السوق، من شأنه أن يحفّز الأفراد لرشوة الموظفين للحصول على نصيبٍ غير عادلٍ منها، وهذا ينطبق أيضًا في حال وجود أسعار صرف متعددة للعملة الأجنبية في الدولة وفقًا لنوع الاستيراد، وكذلك حصص صرف أجنبي محددة تبعًا لكيفية استخدامه، حيث يحاول الأفراد رشوة المسؤولين للحصول على العملة الأجنبية بسعر الصرف الأدنى، أو للحصول على حصة صرفٍ أجنبيٍ أكبر من الحصة المقرّرة. وعليه فإن وضع القيود على استغلال الموارد الاقتصادية في أيدي المسؤولين الحكوميين يدفعهم إلى استغلال صلاحياتهم للحصول على مكاسبٍ خاصة.

          ومن الأسباب الاقتصادية للفساد الفقر وتدني مستوى الأجور، فارتفاع تكاليف المعيشة يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية لأجر الموظّف ممّا لا يكفي لسد حاجته فيشعر بحاجةٍ ماسةٍ للنقود تدفعه إلى ارتكاب جرائم الفساد، كما أنّ تفاوت مستوى الرواتب بين القيادات العليا والعاملين على المستوى التنفيذي قد يكون سببًا لشيوع الفساد، حيث يشعر صغار الوظفين بعدم وجود عدالة، فهم يتحملون العبء الأكبر من العمل ولا يحصلون على ما يستحقونه فيرتكبون جرائم الفساد.

كما أنّ سوء توزيع الثروة والموارد الاقتصادية على السكان يجعل الأموال تتركز في يد فئةٍ قليلةٍ بينما تكون الغالبية العظمى من المواطنين على خط الفقر، وتضمر الطبقة الوسطى في المجتمع ممّا يؤدي إلى تفشي الفساد من جانب الموظّفين. كما أنّ عدم تحقيق العدالة في توزيع الثروات يؤدي إلى التباين الطبقي وتباين معدلات الدخل بين فئات المجتمع، ممّا يُمكّن الأغنياء من استغلال الفقراء وذوي الدخل المحدود فيورطونهم في جرائم فسادٍ لمضاعفة أرباحهم ومكاسبهم.

          يُضاف إلى الأسباب السابقة التحوّل السريع نحو القطاع الخاص وبيع المؤسسات والمرافق الحكومية ممّا يسمح للوسطاء والسماسرة بعقد صفقاتٍ لشراء الشركات الحكومية بأقلّ من قيمتها. كما تؤدي الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها الدول بسبب الحروب والكوارث إلى قلّة المعروض من السلع والخدمات ممّا يؤدي إلى ظهور السوق السوداء، وكذلك التحايل والرشوة لتجاوز الإجراءات التعسفية التي يتم فرضها في الظروف الاستثنائية. ومن أسباب انتشار الفساد أيضًا حصول العاملين في بعض أنواع الوظائف على دخولٍ إضافيةٍ دون وجود مقابل عملٍ حقيقيٍ لها، وهذا يؤدي إلى فساد الفئات الأخرى من الموظّفين وتقبلهم الرشوة وتبريرها أمام أنفسهم.

وهناك سببٌ آخرٌ يؤدي إلى تفاقم الفساد وهو سريّة بعض الصفقات الكبرى التي تُبرمها الحكومة، وعدم مناقشتها أمام المجالس التشريعية، ومن أمثلتها صفقات شراء الأسلحة والأنشطة الاستخراجية، ويدخل في هذا الإطار سريّة أعمال البنوك.

سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى