سوريا دولة الفساد (7) الأسباب السياسية للفساد
أسباب الفساد
أولا الأسباب السياسية
تُعتبر الأسباب السياسية من أهم وأخطر الأسباب التي تفرز ظاهرة الفساد، حيث أنّ فساد القمة سرعان ما ينتقل إلى المستويات الأدنى التي تستتر بقياداتها المتواطئة، فانعدام الإرادة السياسية لمكافحة الفساد لدى القادة وصناع القرار تأتي في مقدمة الأسباب المؤدية إلى تفشي الفساد، فعندما ترى المستويات الأدنى عدم إرادة أو جدية القيادات العليا في محاربة الفساد فتستسهله خصوصًا إذا كانت هذه القيادات نفسها متورطةٌ فيه.
كما أنّ مشكلة الفساد تتوقف إلى حدٍ كبيرٍ على طبيعة النظام السياسي فالبلدان التي تتمتع بنظامٍ ديمقراطيِ سليمٍ تنخفض فيها معدلات الفساد؛ لأنّ الديمقراطية ترتبط عادةً بمزيدٍ من الشفافية فيمتنع الحكام عن الفساد خشية عدم انتخابهم في الدورات القادمة، كما أنّ هذا يشجع السياسيين المتنافسين على فضح جرائم الفساد التي ارتكبها منافسوهم، بالإضافة إلى أنّ الديمقراطية تتيح للأفراد تكوين جمعيات المجتمع المدني التي تمكّن المواطنين من الإلمام بأنشطة الحكومة، وكذلك تزداد حرية الصحافة أيضًا في ظلّ الأنظمة الديمقراطية، والتي تكون على استعدادٍ دائمٍ للتحقيق وفضح أيّة جريمة فساد. وذلك على عكس الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية التي تكون فيها مستوياتٍ مرتفعةٍ من الفساد، حيث يكون عامل الفساد الأساسي هو الدكتاتور ذاته ويمتد الفساد منه إلى أسفل السلّم الهرمي للدولة، فتكون ظاهرة الفساد مرتبطة بوجود حكوماتٍ تعسفيةٍ تستخدم القانون وأدوات القهر المملوكة للدولة من أجل تحقيق أهدافها الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أنّ اعتبار الديمقراطية مرتبطةٌ بانخفاض الفساد ليس مطلقًا، ففي ظلّ ظروفٍ معينةٍ قد تكون الديمقراطية مصدرًا محتملًا للفساد وذلك عند انتشار جماعات المصالح وتأثيرهم في قرارات الحكومة، وكذلك إنّ الانتشار المفاجئ للديمقراطية والحريات في بعض الدول أدّى إلى الخلط بين التحرر من الظلم مع التحرر والتخلص من أيّة سلطةٍ أو قيدٍ أو مسؤولية، فعندما سقط دكتاتور دولة مالي عام 1991 كان أول ردّ فعلٍ للشعب هو رفض دفع الضرائب والجمارك والاتجاه إلى عمليات النهب معتبرين ذلك جزءًا من تمتعهم بحريتهم.
ومن الأسباب السياسية الأخرى لاستفحال ظاهرة الفساد عدم الاستقرار السياسي وسرعة تغيّر القيادات، لأنّ هذا يدفع السياسيين لانتهاز فرصة توليهم للمناصب لجمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من المال لحماية مصالحهم عندما يصبحون خارج السلطة. كما أنّ عدم الاستقرار السياسي له أثرٌ سلبيٌ على سير أجهزة الإدارة العامة ونشاطها؛ لأنّ كلّ مسؤولٍ جديدٍ عندما يتولّى السلطة يقوم بتطهير الجهاز الإداري من الموظّفين غير الموالين له، وتعيين آخرين موالين له وإن كان ينقصهم الكفاءة والخبرة، كما يقوم بتغيير الأهداف والسياسات الإدارية والخطط التنموية ممّا يؤدي إلى قطيعة مع المرحلة السابقة فيعيد العمل الإداري إلى الصفر. ويرى البعض أيضًا أنّ بقاء القيادات لمدّةٍ طويلةٍ في مناصبهم داخل المؤسسات العامّة يؤدي إلى نموّ شبكةٍ من المصالح تزيد من تفشّي الفساد في الدولة.
إضافةً إلى ما سبق هناك سببٌ سياسي آخر للفساد وهو انتهاج الكثير من الدول سياسات تهميش واضطهاد الأقليات، ممّا يدفع هذه الأخيرة تحت ضغط الشعور بالظلم إلى تعويض ذلك عن طريق ممارسة الفساد لإيجاد وسائلٍ أخرى للدخل، كما أنّ بقاء الطبقات الحاكمة في مقاعدها لفترةٍ طويلةٍ أو انتقالهم من موقعٍ سياسيٍ إلى آخر نتيجة المحاصصات الحزبية والطائفية والقومية يؤدي إلى نشوء شبكةٍ من المصالح الشخصية تؤدي إلى تفشي الفساد.
ومن الأسباب السياسية لانتشار الفساد الانتخابات؛ إذ تبدأ عادةً بتقديم وعودٍ زائفةٍ من قبل المرشح لكسب تأييد الناخبين وتنتهي بشراء أصواتهم. وبعد الانتخابات يبدأ المرشح بالبحث عن السبل التي تمكنه من استعادة المبالغ التي أنفقها للوصول إلى الحكم، وهكذا يصبح القادة المنتخبون وأعضاء السلطة التشريعية فاسدين ومفسدين.
ومن الأسباب السياسية للفساد ضعف السلطات الثلاث الذي يؤدي إلى ضعف الأجهزة الرقابية المختصة في كشف الفساد، وضعف النظام القضائي بسبب التدخل السياسي فيه من خلال إخضاع التعيينات القضائية إلى نظام المحاصصة الحزبية لا الكفاءة، ممّا يؤدي إلى انخفاض احتمال وقوع الفاسدين في قبضة العدالة.
سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني