مقالات الأعضاء

سوريا دولة الفساد (5) أنواع الفساد: 2- من حيث الحجم والنطاق الجغرافي

من حيث الحجم:

ينقسم الفساد إلى فسادٍ صغيرٍ وفسادٍ كبير. أمّا الفساد الصغير فهو الفساد الذي يقوم به الموظّفون في المستويات الوظيفية المتوسطة والدنيا من الجهاز الإداري، وغالبًا ما يكون المقابل فيه قليلًا، ومثاله الرشوة لاستخراج وثيقةٍ ما من مصلحةٍ حكوميةٍ أو تجاوز الطابور، وأساس هذا الفساد حاجة الموظّف لتغطية تكاليف الحياة. أمّا الفساد الكبير فهو الذي يقوم به الحكّام وكبار المسؤولين على قمة الهرم الاجتماعي والسياسي، وغالبًا ما يكون المقابل فيه كبيرًا، ومثاله الرشاوى والعمولات في صفقات السلاح وعقود البنية التحتية وتمليك أراضي الدولة والخصخصة، حيث يتحول منصب هؤلاء الأفراد من كونه منصبًا يستهدف المصلحة العامة إلى وسيلةٍ لتحقيق الثروة وتثبيت السلطة.

من حيث درجة التنظيم:

ينقسم الفساد إلى فسادٍ منظّمٍ وفسادٍ غير منظّم. أمّا الفساد المنظّم فهو الذي ينتشر في المؤسسات المختلفة من خلال إجراءاتٍ مسبقةٍ محددةٍ ومضمونة، تحدد مقدار الرشوة وآلية دفعها وكيفية إنهاء المعاملة، في هذا النوع من الفساد تكون النتيجة المرجوة من الفساد مؤكدة التحقيق. أمّا الفساد غير المنظّم فتتعدد فيه خطوات دفع الرشاوى دون أيّ تنسيقٍ مسبقٍ، فيحتاج إلى رشوة عدة موظّفين أو مسؤولين ولا يمكن ضمان إنهاء المعاملة فيه وعدم إيقافها أو ضمان عدم طلب رشوةٍ جديدةٍ، وهذا النوع يجعل أثر الفساد مضاعفًا.

من حيث النطاق الجغرافي:

ينقسم الفساد إلى فسادٍ محلي وفسادٍ دولي. أمّا الفساد المحلي فهو الذي يتم داخل حدود الدولة الواحدة، أيّ يقتصر على أطرافٍ محليين من صغار الموظّفين ممّن لا يرتبطون في مخالفاتهم بشركاتٍ أجنبية. أمّا الفساد الدولي فهو الذي يأخذ أبعادًا تصل إلى نطاقٍ عالميٍ ضمن نظام الاقتصاد الحر، أيّ هو فسادٌ يتجاوز حدود الدولة، حيث تترابط الشركات المحلية والقيادة السياسية مع الشركات الدولية متعددة الجنسيات لتحقيق منافعٍ ذاتيةٍ متبادلةٍ، وقد يأخذ أشكالًا مختلفة فقد يكون في صورة مزايا تفضيليةٍ في فرص التجارة أو التحيز لصالح اقتراحاتٍ استثماريةٍ معينةٍ أو استبعاد بعض العملات من نطاق المعاملات الدولية، كما أنّ هناك صورةً منه أخطر على المجتمعات مثل الإتجار بالمخدرات والبشر والسلاح وتبييض الأموال. ولقد ذكر تقرير منظمة الشفافية الدولية عام 2005 أنّ الكثير من رشاوى العالم الثالث مصدرها جهاتٍ من الدول المتقدمة متمثلةٍ بالشركات الكبرى وأبرزها الأمريكية والفرنسية والصينية والألمانية، حيث أنّ عددًا كبيرًا من كبار الموظّفين في أكثر من 136 دولةً يتقاضون مرتباتٍ منتظمةً مقابل تقديم خدماتٍ لتلك الشركات ومنحها امتيازاتٍ خاصةٍ في دولهم.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى التطور الحاصل في مفهوم الفساد منذ التحوّل إلى اقتصاد السوق الحرّ وإزالة القيود أمام حركة الأموال؛ إذ حصل تطورٌ في مفهوم الرشوة والفساد، فبات دفع الرشوة وإرسال الهدايا يدخل في باب العمولات، وهذه تعابيرٌ مهنيةٌ تستخدمها الشركات الكبرى لتسهيل أعمالها، وأصبح البعض يُدخل هذه المصطلحات تحت يافطة الضرائب غير القانونية التي تُدفع عند الاستثمار، والمتعاملون بها يجاهرون بقبضها، وقد تتسع هذه المصطلحات أيضًا لتشمل دفع تكاليف رحلاتٍ ترفيهية، واستضافةٍ في الفنادق الفخمة، وإقامة حفلاتٍ تكريميةٍ ومآدبٍ ومنحٍ دراسيةٍ ومكافآتٍ وغيرها.

من حيث نوع القطاع:

ينقسم الفساد إلى فساد القطاع العام وفساد القطاع الخاص. أمّا فساد القطاع العام فهو الفساد المستشري في الإدارة الحكومية وجميع الهيئات العامة، ففيه يُستخدم المنصب العام لأجل مصالحٍ شخصيةٍ. أمّا فساد القطاع الخاص فيعني استغلال نفوذ القطاع الخاص للتأثير على السياسة العامة للدولة لأجل تحقيق مصلحةٍ شخصيةٍ كالإعفاء من الضريبة والحصول على الإعانات.

من حيث طبيعة العلاقة بين طرفي الفساد:

ينقسم الفساد إلى فسادٍ قسري وفسادٍ تآمري. الفساد القسري فيه يُجبر المستهلك أو طالب الخدمة على دفع رشوةٍ وإلاّ تأخرت خدمته أو سلعته أو ربّما لا يستطيع الحصول عليها أبدًا. أمّا الفساد التآمري فهو عبارة عن علاقةٍ تفاوضيةٍ بين أطراف الفساد ومثاله دفع رشوةٍ لموظّف الجمارك للسماح بإدخال سلعٍ دون دفع ضريبةٍ حيث يتآمر طرفي الفساد لتجنب الدفع للحكومة وذلك بدفع مبلغٍ أقلّ من مبلغ الضريبة للموظّف الفاسد.

من حيث درجة المنافسة في المعاملات الفاسدة:

ينقسم الفساد إلى فسادٍ تنافسيٍ أو سوقيٍ وفسادٍ غير تنافسيٍ أو محدود. والفساد التنافسي أو السوقي يحدث علانيةً في حالة وجود سوقٍ للخدمات غير القانونية أو الفاسدة يتم التوصّل فيه إلى سعرٍ ثابتٍ للرشوة، فيمكن لطالب الخدمة الاختيار بين أكثر من موظّفٍ يعرض تقديم الخدمة الفاسدة المطلوبة، وينتج هذا النوع من الفساد عن قصور النظم القانونية والقضائية إلى حدٍ كبيرٍ فيصبح الفساد نوعًا من الابتزاز الذي يمارسه المسؤولون الحكوميون. أمّا الفساد غير التنافسي أو المحدود فهو يتم في إطارٍ من السريّة في بيئةٍ تتسم بمحدودية المنافسة حيث يتواجد في ظلّ نظامٍ قضائيٍ يمتلك حدًا أدنى من المصداقية، فقيمة الرشوة هنا لا تتحدد نتيجة قوى السوق ولكن تتحدد بموجب تفاوض أطراف الفساد وهذا هو النوع الأرجح في جميع دول العالم.

وللفساد التنافسي أو السوقي نوعان، الأول يتعلق بأداء الوظائف والخدمات الروتينية، حيث يكون للرشوة قيمةٌ ثابتةٌ يتحملّها الجميع مقابل الحصول على الخدمة، مثلًا تمديد خط هاتفي، الحصول على اشتراك كهرباء، الحصول على إجازة سوق سيارة، الدخول إلى القسم المجاني في المشفى الحكومي، زيارة سجين، غضّ النظر عن مخالفة سير، تسجيل مولود جديد إلخ. أمّا الثاني فتتناسب فيه قيمة الرشوة مع حجم الأرباح والمكاسب التي سيحققها الراشي في كلّ حالةٍ على حدة، فكلّما كان كبيرًا سواء بتحقيق العائد أو بتخفيض النفقات، كبُر حجم الرشوة. وكذلك تتناسب قيمة الرشوة مع حساسية وظيفة المرتشي، أو مع حساسية الحال الذي تمر به البلاد.

سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى