سوريا دولة الفساد (2) – لمحة تاريخية عن ظاهرة الفساد
لمحة تاريخية عن ظاهرة الفساد
إنّ الفساد ظاهرةٌ إنسانيةٌ ولِدت مع ولادة رغبة الإنسان بالاستيلاء على ما يملكه الآخر، وقد ساعدت الظروف في مرحلة الاستقرار البشري وزيادة الموارد على تفاقم نزعة الإنسان الذي لا يمتلك، أن يمتلك بشتّى الطرق سليمةً كانت أم غير سليمة. وتمتد جذور ظاهرة الفساد في أعماق التاريخ، فكانت أوّل قطعةٍ نقديةٍ مزوّرةٍ هي قطعةٌ نقديةٌ ذهبيةٌ سكّها بوليكراتس حاكم جزيرة ساموس اليونانية سنة 535 ق.م، حيث كانت مصنوعةً من الرصاص ومغطاةً بقشرةٍ رقيقةٍ من الذهب. كما وُجِد الفساد في الحضارات والمجتمعات الإنسانية القديمة، ففي راكا في سوريا وجِدت حوالي 150 كتابةً مسماريةً تُبين أنّ ذلك الموقع احتوى على مركزٍ إداريٍ للحضارة الآشورية يرجع إلى القرن 13 ق.م، وقد تضمّنت هذه الكتابات أرشيفًا خاصًا بجهةٍ مسؤولةٍ عن الأمن يوثق بيانات مجموعةٍ من الموظّفين الذين كانوا يقبلون الرشوة من بينهم أسماءٌ لكبار المسؤولين واسمٌ لأميرةٍ آشوريةٍ. كما وثقت البرديات القديمة في مصر الكثير من حوادث الفساد كان من أبرزها التواطؤ بين حراس المقابر الفرعونية ولصوص المقابر لسرقة ما فيها من قطعٍ وحليٍ ذهبيةٍ، وقيل إنّ الفساد وصل إلى حدّ محاولة البعض خداع الآلهة ذاتها بتقديم الإوز كقرابينٍ لها زاعمين أنّها ثيران. وفي الهند قبل حوالي 2300 عام عدّد رئيس وزراء ولاية شندراغوبتا الذي كان ينتمي إلى طبقة الكهنوت العليا الهندوسية، أربعين أسلوبًا على الأقل من أساليب اختلاس الأموال العامة.
وتؤكد الشواهد التاريخية أنّ المجتمعات القديمة عملت على مكافحة الفساد، ففي العراق نرى إشاراتٍ إلى جرائم الفساد في القوانين التي عرفتها أوروك وأورنمو في الألواح السومرية ومحاضر جلسات مجلس أرك، كما تبين الوثائق التي عُثر عليها والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد أنّ المحكمة الملكية كانت تنظر في قضايا الفساد ومنها استغلال النفوذ والوظيفة العامة، وقبول الرشوة، وإنكار العدالة، وكانت تصل عقوبات هذه الجرائم إلى حدّ الإعدام. كما أشارت المادة السادسة من شريعة حمورابي إلى جريمة الرشوة حيث شدد على إحضار طالب الرشوة أمامه ليقاضيه بنفسه. وكذلك الأمر في مصر الفرعونية حيث لوحظت إشاراتٌ لاهتمام الحاكم بمشكلة الفساد بوضع مجموعة وصايا في تنظيم الإدارة والحكم كما جاء في تشريع حورمحب. وكذلك الأمر لدى الإغريق فقد حدد سولون أحد الحكماء السبعة في تشريعاته التي أطلق عليها تسمية قانون أتيكا قواعدًا لإرشاد موظّفي الدولة وضبط عملهم الإداري. وفي الصين القديمة كان الموظفون يُمنحون علاوةً إضافيةً يُطلق عليها اسم « يانغ ليَن» وتعني تعضيد محاربة الفساد.
سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني