
سوريا دولة الفساد (1) – ظاهرة الفساد
ظاهرة الفساد
الفساد ظاهرةٌ عانت منها المجتمعات منذ القدم، ولا زالت تعاني منها حتى اليوم سواء كانت مجتمعاتٍ ناميةً أم متقدمة، وهو ظاهرةٌ تمتد لتخرق البناء السياسي والاجتماعي والإداري والاقتصادي للمجتمعات، فما أن ينتشر الفساد في مجتمعٍ ما حتى يهدم حاضره ومستقبله؛ حيث تنعكس آثاره على كلّ مفاصل الحياة في الدولة، فيُفقد النظام السياسي شرعيته، يشوّه النظام الديمقراطي، يشلّ الجهاز الإداري للدولة، يشوّه الإنفاق الحكومي، ينحدر بجودة الخدمات العامة يُعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويُفقد القانون احترامه والمواطنون ثقتهم بالمؤسسات الحكومية والقضائية، وفي ظلّه يزداد الفقر وترتفع معدلات البطالة.
ولقد كشفت الدراسات والتقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية التي تُعنى بمكافحة الفساد عن نتائجٍ صادمةٍ حول حجم الفساد في العالم بصورةٍ عامةٍ، وفي الدول النامية والعربية بصورةٍ خاصةٍ، حيث أظهر مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية بأنّ أكثر من ثلثي دول العالم يُثقل كاهلها الفساد، وأنّ معظم دول العالم لم تُحرز أيّ تقدمٍ يكاد يذكر في مجال مكافحة الفساد، وأكّد التقرير أنّ المنطقة العربية بأسرها تواجه تحديات فسادٍ ضخمةٍ وغيابٍ للنزاهة السياسية، حيث يكون الاستحواذ على الدولة أمرًا شائعًا كون الانتخابات النزيهة والعادلة والديمقراطية تكون استثناءً، وعلى هذا وبشكلٍ روتينيٍ يقوم الأفراد الأقوياء بتحويل الأموال العامة إلى جيوبهم الخاصة، واعتبر التقرير أنّ الفصل بين السلطات ووجود قضاءٍ مستقلٍ هما تحديان آخران تواجههما الأنظمة السياسية لدول المنطقة، فوجود قضاءٍ مستقلٍ قادرٍ على القيام بدور المراقب على السلطة التنفيذية يُعتبر من الأمور النادرة أو المغيّبة.
هذا بالنسبة للدول العربية بشكلٍ عام، أمّا بالنسبة لسوريا فقد انتشر الفساد على نطاقٍ واسعٍ متحوّلًا إلى وباءٍ مزمنٍ يهدد الاقتصاد، ويعود ذلك إلى مجموعةٍ من العوامل منها عواملٌ اقتصادية برزت أهميتها أكثر خلال سنوات الحرب السورية منذ عام 2011، ومنها عواملٌ كانت متجذرةً في الدولة حتى قبل اندلاع الحرب، ومنها ضعف الجهاز القضائي وعدم استقلاليته، والغموض في النصوص القانونية، وعدم شفافية مؤسسات القطاع العام وندرة المساءلة عن الانحرافات الإداريّة، وعدم وجود أجهزةٍ مستقلةٍ لمكافحة الفساد تعمل وفق قوانينٍ غير مفعلة.
وتشير التقديرات الاقتصادية والحقوقية المستقلة إلى أنّ الفساد تغلغل في أحشاء معظم مؤسسات الدولة من الجمارك والشرطة وقطاعات رخص البناء والتهرّب الضريبي وصولًا إلى سلك القضاء، إذ أصبح الاقتصاد السوري برمّته محمولًا على الفساد، ففي سوريا تغيّرت منذ أمدٍ بعيد الصيغة القديمة « يحكم ويستفيد» إلى صيغةٍ جديدةٍ « يملك ويحكم في أنٍ واحدٍ معًا». فهيمنة السلطة على الاقتصاد وحرمان المجتمع من عوائد الثروات العامة طيلة خمسة عقودٍ ماضيةٍ، كان يُنذر بالكارثة التي وقع بها الاقتصاد السوري، وعليه لا بدّ من اتخاذ إجراءاتٍ فوريةٍ في المجال الاقتصادي لإعادة بناء دولةٍ ومجتمعٍ قويين عقب انتهاء الحرب، وهذا لا يكون إلّا في شروطٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ مغايرة، ذات بيئةٍ تشريعيةٍ نزيهة وقضاءٍ مستقلٍ ونزيه.
سلسلة مقالات مقتبسة من رسالة ماجستير للناشطة الحقوقية لمى اللبواني