عند إقدامكَ على الاندماج في أي مُجتمع وضِمن أي مُحيط سوف يتكون لديك الرصيد الكافي من الثقة والدعم، ما يجعلك قادراً على إيصال وجهة نظرِك عن أي موضوعٍ ما. وسَتَلقى آذاناً صاغية لأنك اكتسبت الود اللاشعوري عند الآخر وبذلك تُصبح مُتمكناً من إحداث الأثر الذي تسعى إليه في داخل المجتمع الجديد الذي أنت به، فما بالُك لو تكلمت عن بلدك الأم!.
تخيلوا لو أن “عمر الشغري” لا يتحدث الإنكليزية؟
من كان ليَتحدث ويصرخ بأعلى صوته في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية عن المعتقلين الذين يُعانون من أقسى صنوف الإرهاب والإجرام في مناطق النظام وسجونهِ ومُعتقلاته؟!.
ومن كان سوف يوصِل قضايا أنور رسلان وغيره إلى محاكم ألمانيا؟، لولا بعض المحامين السوريين والناشطين المدنيين الحقوقيين والأفراد العاديين الذين وَظَفوا فرصة وجودهم في بلاد اللجوء كوسيلةٍ فعالةٍ لإحقاق الحق وفتح مسارات العدالة الدولية، وذلك بلا أدنى شك يبدأ كخطوةٍ أولى باندماجهم في تلك الدول وخَلق مَساحة حُرية لأنفسهم لأجل ممارسة نشاطاتهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم وبذلك تَخطَوا العتَبة الأولى والأهم ألا وهي التعبير عن ذواتهم وتطويرها ولا يُفسر بأنهم تخلَوا عن هوياتهم بل على العكس هم يعمَلون في سبيل قضاياهُم وقضايا أبناء بلدهم المظلومين وضحايا الأنظمة الإجرامية والإرهابية وبالتالي حافَظوا على المعنى الحقيقي لوجدانهم وإرثِهم وثقافتهم التي تتمحور حول حُرية الإنسان وكفاحِه في تحقيق العدالة لنفسهِ وللآخرين على اختلاف خلفياتهم الفكرية وانتماءاتهم.
نُقطة أخرى مُهمة يجب ذكرها إذ يتوجب على جميعنا استيعاب أن اختِلاف لون البشرة والمُعتقَد والثقافة واللغة ليست امتيازاً أو انتقاصاً لقيمة أي شخص، وكُل ذلك عبارة عن وسيلة تَجبُر وسُلطوية على المختلفين على غرار ما تُروِج الأيدولوجيات الفاشية والنازية والعُنصرية، وحتى كوننا لاجئين في بلدان غير بلادنا فذلك لا يعني أننا في مستوىً أدنى من مواطنيها الأصليين أو بما أننا طالِبي لجوء وحِماية؛ لا يعني أن نَقع فريسةً لتُجار العنصرية ومُروجي الأحزاب اليمينية. اللُجوء بالنهاية هو توصيف سياسي وليس فعلي وكإنسان قبل أن تكونَ لاجئ لك حق الانتقال من مكانٍ إلى آخر بلا أي قيود وأيّ خَوف وبلا حدود وجوازات سفر، هذا في عالم المثالية أما واقعياً نحنُ نعيش في عالمٍ مَزقتهُ الحروب والمصالح والمطامِح والرأسمالية وغَدَت أبسط حقوق الإنسان البديهية بعيدةَ المنال وتحولَت لامتياز يُمنح على هيئة مَكرُمة أو استعطاف من أصحاب البدلات الأنيقة إلى عامة رُعاع الأمم!.
في النهاية الاختلاف ليس محل خِلاف، وكما نحنُ لدينا ثقافتنا الخاصة بنا، يوجد لدى باقي شعوب العالم ثقافاتهم المُختلفة والمتشعبة وليس بالضّرورة أن تتوافق الثقافات مع بعضِها، بل أن تَتبادل الاحترام وتتداخل فيما بينها كي يتوَلَد فهم أكبر لمُحيطنا الواسع وتُحاول أن تُقرِب البشر من بعضهم لا أن تُساهم في ازدياد الشرذمة التي نُعاني منها بحُكم السياسة وتدخلها في الدين أو العكس، وبوساطة الأيديولوجيات الفاشية والنازية الجديدة والفهم الخاطئ لمجموعة المفاهيم والقيَم المتداولة.
من الواجب احترام منظومَة القيم والأخلاق الخاصة بكل دولة وعَدم النظر إليها كأدواتٍ هجومية تُركز على الوافدين واللاجئين، فهذه القيم نابِعة من التجارب الفريدة لكل شعب ومجتمع وهي قائمة ومُتجذرة في وجدانه من قبل أن يلجأوا وبذلك تَنتَفي نظرية المؤامرة القائلة بتآمر هذه الشعوب على بعضها. كُل ما ذُكر في الجزئية الأخيرة سوف نقوم بالحديث عنه مُفصلاً في الجزء القادم من هذه السلسلة.
وقبل الختام سنقوم بذكر مختصر لبعض الأدوات التي تُعزز اندماج الأفراد في مُجتمعاتهم المضيفة.
– أدوات الاندماج
هناك الكثير من الأدوات التي نسطيع استخدامها لتحقيق الاندماج في أي مجتمع وسنُركز على أهم العوامل والأساليب التي تساهم في تعزيزه، ونذكر مثلاً على سبيل المثال:
اللُغة: تُعتبر المفتاح الرئيسي للدخول والاندماج داخل أيّ مُجتمع أو ثقافة، فعندما تتحدث إلى شخصٍ أجنبي بلغتهِ غالباً تبدأ ببناء جسر بينك وبينه وقد يشعُر المُتلقي بقربك منه وتفهُمك له وتساعده على الاطمئنان وفهم ما تُريد التعبير عنه أو قوله.
فهم ثقافة المجتمع المُستضيف: عبر دراسة عادات وتقاليد وتاريخ البلد ومحاولة فهم أفراده، كالنظر إلى هل هو في عمومهِ مجتمع عاطفي أم عقلاني براغماتي؟ هل هو مُنغلق ولا يُحبذ الاختلاط (ولو بين أفراد المجتمع نفسه) أم هو مُرحب مُخالِط إلخ… ومن المهم التركيز على أن هذه الاختلافات لا تعني أنها تُشكل حواجز تمنعك من التأقلم في صُلب المجتمع، ولكن فقط كي تجد الطريقة الأمثل للوصول إلى فهم شامل واعي له. وعند استِيعابك لكل ذلك ستجد نفسكَ قادراً على تخطي العديد من العَقبات التي كانت موجودة في طريقك.
الأنشطة الاجتماعية: بما تحتويه من أوجهٍ مُختلفةٍ مثل الأعمال التطوعية في منظمات العمل المدني والاجتماعي، فذلك سيجعلك على اتصال مباشر مع المُجتمع المستضيف وسيُعطي أفرادهُ انطباعاً أفضل عن نفسك وعن الثقافة التي وفدتَ منها.
وأيضاً هُنالك الفعاليات الاجتماعية مثل تنظيم احتفالات أو المُشاركة بها لتعريف المجتمع بثقاقة بلدك الأُم والبحث عن نقاط التقاء كالرياضة وصنوف الطعام وأنماط الموسيقا إلخ…
يوجد أمثلة رائعة عن فعاليات قام بها الشباب السوري في الكثير من الدول الأوربية وأفضَت إلى رد فعل إيجابي وساهمت في تعريف الكثيرين على ثقافتنا وعاداتنا ولُغتنا.
التعليم وإكمال المسيرة الدراسية: حتى لو كان ذلك صعباً، في بعض الأحيان ولكنه ليس مستحيل.
وطبعا غير ذلك الكثير، في مُعظم الأحيان قد تَعثُر بنفسك على الأساليب الأمثل التي تستطيع القيام بتعزيز وجودك في المحيط الكائن بهِ.
المقال القادم هو الأخير في السلسة وسوفَ نتحدث عن منظومات القيم والأخلاق المختلفة ومسببات اختلافها.
الحركة المدنية السوريّة | اللجنة الثقافيّة
آرام قبّاني (ناشط حقوقي)