مقالات الأعضاء

سلسلة الاندماج (3): مُسببات الفهم المغلوط للاندماج ومُعوقاته

الفصل الثالث

تكملةً لِما سبق في هذه السلسلة، نستكمل حديثنا بذكر بعض مُسببات الفهم المغلوط للاندماج بعيداً عن اللاجئين أنفسهم وما قد ينتُج عن ذلك من آثارٍ سلبية شديدة التأثير على الأفراد.

على وجه الخصوص وبالدرجة الأولى سوف نلفت النظرَ هنا لأمرٍ في غاية الخطورة ألا وهو أن الأحزاب اليمينية المُعادية للجوء في أوروبا، تعمل وبشكل دؤوب على تبيان اندماج اللاجئين وتقديمه ضمن منظومة المفاهيم المغلوطة التي ذكرناها في الفصل الثاني، إذ أنه بشكل غير مباشر يُشعِرُون اللاجئ أنهُ عند وصوله لبلادهم ولكي يحظى بالترحيب، يجب أن يقوم بالتخلي عن دينه وعاداته وتقاليده وما إلى ذلك… والخطورة الفعلية لهذهِ البروباغاندا أن هذه الأحزاب ولو لم تنجح بوقفِ الهجرة واللجوء لبلادهم فهي تؤدي مَهمَة تَبُوء بالنجاح في معظم الأحيان وهي إبقاء اللاجئين في بيئة غير مُريحة وخوف دائم وعدم استقرار على الصعيدين النفسي والمادي، وقد يُضطّر هذا الأسلوب بالكثيرين إلى ترك بلاد اللجوء والعودة إلى دكتاتوريات بلادِهم مهما كان ذلك عائداً بالضرر والخطر على حياتهم (ولكن بالنسبة لهم جحيم الوطن قد يبدو أرحم من جنات العنصرية والاندماج في دول اللجوء التي سلبتهم كل ما تبقى لديهم!!) وهذا سيناريو قد تحقق فعلياً ويحدث دائماً حيث سُجِلت عودة أفراد وعائلات سورية إلى بلدهم تحت وطأة حكم نظامٍ فاشي مع الأسف. وتنظُر الأحزاب اليمينية إلى ذلك كـ “عرسٍ وطني” ونُقطة نجاح تُسجَل لهم وتزيد من استقطاب المزيد من الناخبين ذوي الاتجاه السياسي الواحد.

هنا يتوضح جلياً أن مشكلة الاندماج ليست عَرَضية أو مجرد أثر جانبي ولكن أبعادُها قد تكون مُدمِرة، ولها ارتدادات خطيرة لا تقتصر فقط على البالغين ولكن على اليافعين والقُصّر أيضاً بحكُم تواجدهم مع عائلاتهم ونشهد تبعاتهُ في بعض قضايا سحب الأطفال من قِبَل “السوسيال” في بعض الدول.

فالفَهم المغلوط أو التطبيق الخاطِئ للاندماج أو تَجاهُله، حتى بالإضافة للمُعوِقات التي تعمل عليها أحزاب اليمين أَدَت بشريحة كبيرة من السوريين إلى الانكفاء والانغلاق على أنفُسهم والتقوقُع ضمن مجتمعاتِهم وتشكيل “غيتوهات – Ghettos” والقيام بأعمال ومهن محصورة ضمن فئات محددة. ومن الجدير بالذكِر أن هذهِ المُشكلة ليست محصورة بالشعب السوري، بل هي أزمة لها مقعد دائم العُضوية في جميع بُلدان المهجر واللجوء ولدى أي مُهاجر أو مُغترِب على اختلاف أصولهم وخلفياتهم، وهنالك أبحاث ودراسات مُكدّسة عن مشاكل اللجوء ولكننا سنكتفي بالقدر البَسيط لإيصال الفِكرة والفهم الصحيح.

ويجب أن نُلاحظ وبقدر لا يُمكن تَجاهُلَهُ أن الاندماج قد يعتمد وبشكلٍ رئيسي على عامِلين رئيسيين هُما الدولة والمُجتمع الذي استقرَ به اللاجئون؛ فالتعامُل يختلف جذرياً عندما يكون حزب الدولة المستحوذ على أغلبية البرلمان والوزارة من خلفية (يسارية – ليبرالية وأحزاب الخُضر) ونقيضِه من الجانب الآخر (اليمين المُحافِظ أو المركز واليمين المُتطرِف أحياناً) هذا كعاملٍ أول، والعامل الثاني هو طبيعة المُجتمع المُستَضيف وطريقة تعاطيه مع موضوع الهجرة واللاجئين بشكلٍ عام وخبرة هذا المُجتمع في التعامل مع هذه المسألة، على سبيل المثال نرى أن مُجتمعات أوروبا الشرقية مثل دُول البلقان واليونان وهنغاريا وبولندا، يُلحظ أن تعامُلهم مختلف جداً عن طريقة تعامل باقي دول القارة، وذلك لعدة عوامِل تاريخية وسياسية وأيضاً لحداثة خِبرة هذه البلدان في احتواء أعداد لا بأس بها من اللاجئين وأيضاً لأسباب متعلقة أحياناً بِسياسة الاتحاد الأوروبي في ضبط حُدودِه، باعتبار أن مُعظم هذهِ الدُول تقع على تخوم القارة من الشرق، وأيضاً بسبب أنه بعض هذهِ الدُول ليست عضو في الاتحاد أو في طور الانتِساب، ومن الواضح أنهم يَستخدمون سياسِة استِعراض العَضلات في حماية الحدود باعتباره حرس حدود متفاني لباقي دول أوروبا، أو بسبب ارتِهان بعضهم لِسياسات الاتحاد الأوروبي نظراً لتراكم الديون واغتنام بعض الصفقات التي تُعتبر قذرة ونتيجتها غض نظر دول الاتحاد الرئيسية عن سياسات وممارسات السالف ذكرهم والتي تصِل إلى حد الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وأبسطها حق أي إنسان أن يطلب اللجوء في حالة الخطر على حياته.

أكبر وأوضَح مثال على ذلك هي اليونان، والتي تعمل حكومتها اليمينية بقدر المستطاع وبكافة جهودها وبتفاني بالتضييق على اللاجئين وطالبي اللجوء المتواجِدين فيها، وارتكاب صنوف متعددة من الانتهاكات الصريحة والواضِحة والإجرامية في أحيانٍ عديدة لمنع وصول طالبي اللجوء بأمان ليس فقط عبر أراضيها ولكن حتى داخل المياه الإقليمية، بحيث أصبحَ الخوف من خفر السواحل اليوناني أكبر من خَطر الغرق أقناء عبور البحر للوصول إلى الجُزُر، بسبب قيامهم بعمليات الإعادة القسرية والوحشية بحق الأفراد والعائلات والأطفال على اختلاف أعمارهم، فيتم وضعهم في طوافات مائية ومن ثم يدفعونهم باتجاه المياه الإقليمية التركية (بُعيد وصول أغلبهم لبر الجرز اليونانية فعلياً) بدون أي اعتبار لكينونتهم الإنسانية كبشر، لهم حقوق أقرتها المعاهدات الدولية وبلا شفقة على حالاتهم المُستَضعفة أو المرضية وكِبَر أو صُغر أعمارهم وما سوف يلقونَه من الدولة التركية، مما قد يؤدي إلى الترحيل الإجباري لبلادهم وخاصة سوريا، أي إرسالهم إلى حتفهم بطريقةٍ أو أُخرى وغير ذلك الكثير (ولكن بالنسبة لليونان، فتركيا تم تصنيفها كبلد آمِن لمواطني بعض الدول ومنهم السوريون!! وطبعًا تفردت اليونان وحدها بإصدار مثل هكذا إجراء عبقري). بعيداً عن البحر والجُزر وممارسات خفر السواحل، نستطيع أن نرى تواجد ما يُشبه الميليشيات المُسلحة في حدود اليونان البرية في الشمال على ضفاف “نهر إيفروس” حيث يتم القيام بعمليات الإعادة القسرية من قبل الجيش اليوناني والشرطة وبعض المجموعات مجهولة الهوية، والأمر لا يقتصر على الإعادة فقط لا بل يصل إلى حد السلب وتعذيب طالبي اللجوء ورمي بعضهم في النهر أو خرق قواربهم أثناء العبور (تم تسجيل حالات اختفاء كثيرة على هذه الحدود وفقدان جثث المهاجرين مما يُرجح غرقها في النهر وتكتم السُلطات المحلية اليونانية)، فنرى أنه قد تحولت بعض جهات الدولة اليونانية إلى مجموعات تُمارِس أفعال ترتقي لمستوى جرائم يَندى لها الجبين. بالطبع يحصل كل ذلك تحت مَرمى وسَمَع فِرق حرس الحدود الأوروبي “الفرونتكس – Frontex” إن لم يكن متورطاً فيما يحدث.

أيضاً لن نتغافل عن ذكر القصص الناجحة والرائعة لعدد كبير من السوريين/ات في مجال الاندماج وهُم بذلك يُقدمون أمثلة رائعة عن كيفية أنه لا حدود لإبداع الإنسان سواءٌ كان في محيطٍ جديد أو ثقافة ولغة مختلفة. ونرى بوضوح أن معظم هؤلاء الأشخاص حققوا أهدافهم التي سَعَوا إليها باندماجهم في مجتمعات جديدة دون التخلي عن هوياتهم الفعلية أو كما يُروِج بعض الجهلة عن الاندماج، فنرى فتاةً متفوقة في الكلية أو المدرسة وهي مُحجَبة أو شخص يُرشِح نفسه لبرلمان دولة ما واسمُه “أحمد أو محمد” وغير ذلك الكثير.  

في المِقال القادم سوفَ نُركِز على نتائج الاندماج الناجح وطُرق توظيفيهِ في عدة مجالات، وأنه ليس بالأمر المستحيل. لكن لا نتجاهل صُعوبته التي سوفَ تندثر مع قطاف ثَمَرات تطبيقهِ بشكلٍ فعّال خصيصاً فيما يتعلق بالثورة السورية، وسوفَ نذكُر أيضاً باختصار بعض الأدوات التي تُساعد في دعم الأفراد خلال مسيرة الاندماج داخل مجتمعاتهم الجديدة.

الحركة المدنية السوريّة | اللجنة الثقافيّة
آرام قبّاني (ناشط حقوقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى