الاندماج بشكل عام وبأنواعه المتعددة يأخذ حيزاً كبيراً وواسعاً في الكثير من الدراسات والأبحاث الاجتماعية نظراً لأهميتهِ الكبيرة في تكوين أي مجتمع وصياغة هويتهِ و تأثيره البالغ في حياة الأفراد والجماعات على تعدُدها، والكلام عنهُ يحتاج لأبحاثٍ كثيرةٍ ومُوسعة نظراً لكثافة موضوعاته وتعدد أنواعه وجوانبه واختلاف وجهات النظر وكيفية تعاطي المجتمعات معه.
ولكننا سنحاول في هذا المقال الكلام عن ذلك بشكلٍ مختصر ودقيق ومُحدَد بحيث نكون قد تمكنّا من شرح المدلولات اللازمة لتكوين فهمٍ واعٍ ومُدرك عن هذا الموضوع ولكي لا نقع في فخ جهلنا بالمصطلحات ودوامات الآراء المتضاربة المبنية على أُسس غير حيادية واعتباطية في غالب الأحيان.
قبل أن ندخل في تعريف الاندماج بمعناه الاصطلاحي والعملي، يجب أولاً وقبل كل شيء أن نُوَضح ونُسلِط الضوء على المفاهيم والتعريفات المغلوطة والمُشَوهة لمفهوم الاندماج وما هو ليس باندماج (والتي واضح مدى انتشارها بين أوساط السوريين المغتربين عامةً وفي أوروبا خاصةً)، عند بعض الناس الاندماج يعني: التخلي عن الهوية، الانسلاخ عن العادات والتقاليد، الحرمان أو الحد من الطقوس الدينية (أو حتى تغييرها في بعض الأحيان) وأن يُفرَض عليهم نمط حياة مُعيَن مُكرَهين عليه وغير ذلك الكثير…
فمِن أين أتى هذا الفهم الخاطِئ وما هو المفهوم الصحيح؟ فالاندماج لا يعني أياً مما سبق!! وقد وصل المطاف ببعض الأشخاص لدرجة من النُفور والرُعب والاشمئزاز في بعض الأحيان لهذهِ الكلمة ووقعِها عليهم، وطبعاً لكل سبب هناك مُسبِبِ، وقد لا نستطيع أحياناً إلقاء اللَوم على هؤلاء الأشخاص وما يحملونهُ من ذخيرة رهيبة وعتيدة من التعريفات والتحليلات المغلوطة لعددٍ من الاصطِلاحات ومنها ما نتكلم عنه في هذا المقال.
سوف نعود إلى الجزئية المتعلقة بالفهم المغلوط للاندماج والعَناصر المُساهمة بذلك وما يترتب عليه من نتائجَ سلبيةٍ كثيرة، ولكن أولاً لِنُلقي نظرة على تعريف الاندماج وأنواعه:
تعريف الاندماج :
ليس من السهل إيجاد تعريف ثابت ومُحدَد للاندماج بسبب وجهات النظر العريضة والمتعددة له ولكن بشكل عام نستطيع القول بأنه؛ محاولة مجموعة أشخاص أو أفراد أو جماعات، توطين ما يحملونهُ من إرثٍ ثقافي واجتماعي وديني وطُرُق معاملاتهم الحياتية بشكلٍ عام في مجتمعات انضموا اليها حديثاً، والتي في كثيرٍ من الأحيان قد تكون مختلفة كلياً أو جزئياً عن بيئتهم التي اعتادوا عليها وآمنوا بقيمها.
وبصياغة تفصيلية أوسع لذلك نستطيع القول أن محاولة الاندماج هي إيجاد حيِز ومنطقة وسط بين عادات وتقاليد وأساليب حياة اجتماعية واقتصادية ودينية لفئةٍ معينةٍ من الناس وبين هذه العناصر نفسها عند المجتمع المضيف بحيث لا يكون اللاجئ أو المُهاجر منعزل ويُنظر إليه كجسمٍ دخيل وغريب أو كما يظن البعض كتهديد.
فمن المعلوم لنا أن بعض اللاجئين على سبيل المثال (باعتبارهم الحلقةَ الأضعف في هذا المجال) لديهم خوف من تجريدهم من عاداتهم وتقاليدهم وأسلوب حياتهم ومُعتقداتهم، حيثُ يُعتَبر ما سبق (وخصوصًا عند لاجئي الحرب) بأنهُ كل ما تبقى لديهم ليحافظوا عليهم بعد أن خسروا بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم.
وهنا في هذه الجُزئِية بالذّات يَلعب الجانب النفسي الدور المُهم في ذلك، حيث تتمثل كينونتهُم الشاملة في ما تبقى لهم وما قد يُعبِر عن شخصيتهم وما يَمتازون به ويُكوِن هويتهم، وهو في هذه الحالة الإرث الثقافي والديني ومجموعة القيم الحامِلين لها في الوجدان الداخلي اللاشعوري والجَمعِي والذي يَتشبثون به بكُل ما تبقى لهم من وسائلٍ دفاعيةٍ على اختلافها لأنهم لا يُريدون خسارة ما تبقى، وبذلك وبشكلٍ تلقائي ومُباشر يُصبح أي شخصٍ عارٍ تماماً وضعيف، وذلك ما يؤدي بالبعض للدمار النفسي الكامل والرفض التام لأي مُتغيِر قد يُواجهونه، وهنا يكمن الجانب الأخطر من المُعضلة؛ وهو أن البعض قد يَنظُر إلى الاندماج باعتبارهِ آلية هُجومية يمارسها الآخرين لتجريدهم مما تبقى لهم وهنا تنشأ وبشكلٍ واضح إشكالية الفَهم الخاطِئ للاندماج وذلك عندما يتم فهمُه والتعامل معه بشكلٍ مُشّوه مفادُه أن الاندماج سوف يُجرِدهم ويُعرِيهم مما بقيَ لهم.
وبالتوازي وعلى الطرفِ الآخر كذلك يشعُر الأفراد في المُجتمع المُضِيف، هم أيضاً يُريدون الإبقاء على نمط حياتهم الذين تعودوا عليه، وهنا تنشَأ مُعضِلة الاندماج بشكلٍ تام وإشكالية كيفية تطبيقهِ بالطرُق الأمثل.
سنتوقف هنا عند هذه الجزئية وسنُكمِل في الفصل الثاني الحديث عن العناصر المؤثرة على
الاندماج وأطرافه.
الحركة المدنية السوريّة | اللجنة الثقافيّة
آرام قبّاني (ناشط حقوقي)