مقال رأي

نشأة منصب المفتي في الدولة

مفتي السلطان

المفتي: لقبٌ للعالم المسلم المصّرح له بإصدار فتوى في أمور الدين.

والمفتي حسب عقيدة الإسلام: “خليفة النبي في أداء وظيفة البيان”، وهو موقّع عن الله،

والمفتي عند علماء أصول الفقه هو: الرجل المسلم العالم بأحكام الشرع الإسلامي، وفق شروطٍ مخصوصة، تؤهله للوصول إلى درجة الإفتاء والقضاء. فالمفتي والقاضي درجة واحدة. لكن المفتي مُخبر بالحكم، والقاضي ينفذ الأحكام.

المفتي الأكبر: هو أكبر مفتي (فقيه إسلامي) في الدولة. أنشأ هذا المنصب في أوائل العصر الحديث في الإمبراطورية العثمانية، وتم اعتماده لاحقًا في عددٍ من الدول الحديثة. 

في القرن الخامس عشر، اندمج مفتو الإمبراطورية العثمانية، الذين كانوا قد عملوا كعلماء مستقلين في أوقاتٍ سابقة، في بيروقراطية هرمية للمؤسسات وعلماء الدين. بحلول نهاية القرن السادس عشر، أصبح مفتي إسطنبول المعين من قبل الحكومة معروفًا تحت اسم شيخ الإسلام باعتباره المفتي الأكبر المسؤول عن هذا التسلسل الهرمي. قام المفتي العثماني الأكبر بعدد من المهام، ومنها تقديم المشورة للسلطان في المسائل الدينية وإضفاء الشرعية على سياسات الحكومة وتعيين القضاة. و كان مسؤولًا بيروقراطيًا عن مجموعة علماء الدين، وأصدر أحكامًا قانونية بشأن سياسات الدولة الهامة مثل عزل الحكام.

وقد استحدث محمد الفاتح لقب شيخ الإسلام وهو الذي يترأس الهيئة الإسلامية في الدولة، وهو يلي السلطان في الأهمية، وكان التشريع والمحاكم والمدارس الملحقة بالمساجد وممتلكات الأوقاف الواسعة جميعها خاضعة له، كما كان خاضعًا له القضاة الشرعيين والعسكريين والمفتون، وكانت الأولوية في بداية نشأة الدولة العثمانية لقاضي عسكر الذي رافق الجيش المحارب، ثم صارت للمفتي رئيس العلماء والفقهاء في عهد السلطان سليم القانوني وأصبح المفتي هو شيخ الإسلام نفسه، وحرص السلاطين على تدعيم سلطة شيخ الإسلام فكانوا يلجؤون إلى استغلال سلطته والإفادة منها كلما تعرضوا لأزمة خطيرة، فكانت الدولة لا تُقدم على حربٍ دون صدور فتوى منه يقرر فيها أن أهداف هذه الحرب لا تتعارض مع الدين.

ومع العلم أن الدولة العثمانية دولة عسكرية وليست دولة فكر وعلم، برزت كقوة دولية مرهوبة الجانب في بداية عصر انحطاطها وأصبح كل علمائها يفتون بمعلوماتٍ قديمةٍ، بينما كانت في أوربا الكنيسة منظمة ترعى الشؤون الدينية والإدارية، فاقتبسوا منها ذلك وأنشأوا منصب المفتي الأكبر كما اقتبسوا منها ألقاب النبلاء (دوق ولورد) ليكونوا (بيك وباشا) باللغة التركية.

تم استعارة هذه الممارسة لاحقًا وتكييفها من قِبل مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر. وأول من حمل لقب مفتي في دولة الإسلام هو” الإمام الفقية الزاهد العالم الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث المصري مفتي أهل مصر” ففي أوائل العهد العباسي أصبح الإفتاء وظيفة حكومية يصدر لها مرسوم يوقعه ولي الأمر، أي الخليفة، وبموجب هذا المرسوم يعتبر المفتي المفسّر الرسمي للشريعة الإسلامية، وبالتالي تكون الفتوى التي يصدرها الشخص المعين في هذا المنصب حُكمًا مُلزمًا وفقًا للقوانين المرعية، ومن ذلك الوقت جرت العادة أن يخصص لكل قطرٍ أو مدينةٍ مفتي معين من قِبل الحاكم المسؤول.

ومن هناك، انتشر المفهوم إلى دولٍ إسلاميةٍ أخرى، بحيث يوجد اليوم ما يقرب من 16 دولة غالبيتها من المسلمين الذين لديهم مفتي أكبر. يمكن أن تختلف العلاقة بين المفتي العام لأي ولاية معينة وحكام الولاية اختلافًا كبيرًا حسب المنطقة والعصر التاريخي.

كما ظهرت على مدار 1000 سنة الماضية ألقابًا أعطيت صبغة إسلامية كسماحة المفتي وفضيلة الشيخ والسلف الصالح وهيئة كبار العلماء الواجب السمع والطاعة لهم والذين أصبح لهم ليس النظر في الأمور السياسية ولا مراجعة الأحكام الشرعية المتعلقة بها، بل فقط طاعة ولي الأمر وخشية الفتنة، فمشايخ السلاطين يفتون بأمورٍ عامةٍ في الدين كالحج وقيمة زكاة الفطر ورؤية هلال رمضان وأول أيام العيد ويحيلون كل ما عدا ذلك من فتاوى إلى مفتي دولة الشخص طالب الفتوى وولي الأمر عنده.
فالمفتي العام هو شخص معين من قبل الدولة، وغالبًا ما يكون دوره توفير الدعم الديني لسياسات الحكومة.

مارغريت (ناشطة مدنيّة مستقلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى