مقالات الأعضاء

يعتذرون عن صورة ولايعتذرون عن الفساد !!

حصلت في الآونة الأخيرة ضجة بشأن الصور المسيئة للرسول في المناهج المدرسية، وربما كان الحق مع هؤلاء الذين اعترضوا على هذا الكتاب. وأنا هنا لستُ بصدد النقاش فيما إذا كانت هذه الرسوم تشكل إساءة أم لا. ولكن لنتذكر معاً منهج الجاهلين في الحُكم والأولويات وما هو خطير يستحق الاعتذار وما يعتبرونه أمراً لايستحق الحديث به.

من المعروف أن الفساد والتشبيح على المدنيين في الشمال السوري على أشُدِه مِمّن يدّعُون أنهم ينتمون للثورة ويحملون همَها، فقد رأينا منذ فترة أحد هؤلاء عندما خرج في برنامج الاتجاه المعاكس ليُبَرِر سرقة أموال الناس وغياب القانون وسيادة الفوضى؛ بأنهم محاربين من فاطميون وزينبيون إلخ…، وكأن وجود أعداء في مناطق أخرى يُبرِر الاعتداء على الناس وتقويض الحريات، فالشعب السوري أصبح يعرف بالتأكيد كيف خُدع عشرات السنوات وذاق سوء العذاب من النظام الذي كان يدّعي وجود عدوٍ خارجي لإسكات أيّة أصوات تعارض القمع وتسلق السُلطة واحتكارها.

سُلّم الأولويات لدى المتسلقين (احذروا أيها المدنيين!)، لأن القضية ليست قضية رسوم أو غيرها ولكن؛ إن رأيتموهم استشاطوا غضباً لصورة تمثل رمزاً دينياً وأغمضوا أعينهم عن الفساد، فلا تصدقونهم فليس هناك مُقدّس سوى الإنسان وحريته ورفاهه، فمن المعروف أنه في الغرب لاحرج على أحد في رسم الرموز الدينية والتهكم عليها، ونرى كثيراً في التلفاز والأفلام كيف أنهم يصورون المسيح بصور مضحكة وأفلامٍ طريفة مع أن الأغلب يعتبر المسيح هو الإله أو جزء من الإله ، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد إذا تم اكتشاف حالة فساد أو سرقة للمال العام أو إهانة كرامة لِأحد ما، فالأولويات لديهم مختلفة. وهنا لا أريد أن أتدخل بعقائد الآخرين ولكن في سلم أولوياتهم.

إلى الأحرار في الشمال السوري احذروا منهج الإسلامويين في الحكم، فحتى إن تغيرت الرايات فطريقة الحكم واحدة، فالذي كان على سلم أولويات داعش في الحكم في خضم الثورة السورية يتم استنساخه بطريقة أخرى في مناطقكم؛ أي عندما كانت الثورة على أشدها تحارب النظام كانت أولويات داعش لبس الخِمار ومنع التدخين والكفر والإجبار على الصلاة وغيرها. فالمشكلة الكبيرة لم تكن في “داعش” كأشخاص وإنما بـ “داعش” الفكرة وطريقة التفكير.

لأيٍ منهما يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان حياً ويطلب الاعتذار والتصحيح؟
 إذا حدث هكذا أمر مثلاً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فهل سيكون في سُلّم أولوياته صورة أو كلام  يُقال بحقه، وينتصر لنفسه أو يطلب من أحد ما الانتصارَ له؟. حسب معرفتي وقراءتي عن شخصيته في السيرة لا أعتقد أنه سينتصر لنفسه، ولسوف ينتصر دائماً للناس ويرفع عنهم الظلم والعبودية والفساد.

كيف ننتصر لرسول الله؟
الانتصار للنبي يكون بإظهار النبي بمظهره الحقيقي، تلك الشخصية النزيهة حسنة الأخلاق مُحبة للحياة، والناس ترفض الظلم وتَغضب للتعدي على حقوق الآخرين أو المساس بكرامتهم. كان صلوات الله عليه يغضب للفجور ويَسعد للحب والسلام والعدل والتساوي بين الناس ولا يُضِر من آذاه، حتى أن أهل قريش وغيرهم كانوا يضعون الشوك في طريقه ويرمونه بالحجارة، فمن يقرأ سيرته يعرف ما أتحدث عنه. فمن يريد الانتصار للرسول ينتصر له بأن يجعل أخلاقه تشابه أخلاق الرسول في رُقيها ورفعتها وليس بالإرهاب والشدة أو خداع الناس واستغلال عواطفهم الدينية لتحقيق غايات مخفية.

في النهاية وجب التنويه على دور الشباب السوري في فضح هكذا سياسات وتوعية الناس من خطر الخضوع لاستفزاز المشاعر الدينية، والاعتقاد بأن كل شخص يدافع عن الدين أو عن الثورة هو شخص جيد وعلينا تصديقه؛ فالفاصل في هذا الحيز هو عمله وخدمته للناس والسهر على حقوقهم.

 

عبدالرزاق الحسين (ناشط وعضو اللجنة الثقافية في الحركة المدنية السورية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى