مقال رأي

سر تقديس الهندوس للبقرة

البقرة في الهندوسية مقدسة ويجب حمايتها، ويُنظر لها على أنها أم ورمز الوفرة بسبب انتاجها للحليب، ولها مكانًا محترمًا في المجتمع فمن التقاليد الهندوسية تجنب أكل لحمها، وفي الأماكن التي يُحرّم فيها قتل البقر، الشخص الذي قتل أو آذى بقرةً يمكن أن يُسجن. وبسبب القوانين والعادات فإن المنبوذين فقط يأكلون الأبقار الميتة ويستغلون جلودها.

تعيش الأبقار في الهند حياة القدسية الشديدة، إذ يبجلها السكان ويقدسونها تقديسًا شديدًا، بل ويحظرون ذبحها أو إستخدامها في الأعمال الزراعية الشاقة، وهو ما حدا بمحكمة هندية لأن تقرر حظر ذبح الأبقار بحكمٍ قضائي، وتبنت أحزابًا سياسية هندوسية، كحزب بهارتيا، حملاتٍ صارمةً لمنع ذبح الأبقار نظرًا لقدسيتها الشديدة عند الهندوس.

فالأسطورة تقول إنه في زمن المجاعة في الهند خاف الحكماء من أن ينقرض البقر بسبب كثرة ذبحه فأمروا الناس بعبادته حتى لا يذبحوه، فعبدوه، ومنذ ذلك الوقت صار البقر مقدَّسًا، يقف السير حين يمر، ويخرّ الجميع خشوعًا راكعين حتى يختفي. 

احترام هذا الكائن اللطيف وتبجيله من قبل الهندوس والمجتمع الهندي، أعطى انطباعًا للغرباء على أنه نوع من أنواع العبادة، ولكن الهندوس يبررون ذلك على أنه نوع من تكريم واحترام الحيوان.

ولعل السر وراء تقديس الهندوس للأبقار أنها كانت من أغلى ثروات الآريين، نظرًا لمنافع البقر العديدة. فقد كانت تزودهم بالحليب ومنتجات الألبان الأخرى. كما كان للأبقار أهمية بالغة في الأعمال الزراعية، فكانوا يُحمّلون بالمحاريث من أجل فلح الأرض. وكانت تُستخدم عربة الأبقار أيضًا كوسيلة للتواصل والسفر. بل حتى روث الأبقار يُستخدم في العديد من الأغراض في البيوت الريفية إلى يومنا هذا، ويُعد مصدراً ممتازًا للسماد من أجل النباتات. كما يعمل الروث المجفف كوقود جيد جدًا يستخدمه الناس في المناطق الريفية للطهي في أفران مصنوعة من الطين.

ووفقًا لأحد أشهر معتقدات الهندوس فإن الإله كريشنا غالبًا ما تم تصويره إلى جانب بقرة، فيُعتبر أنه “حامي البقر”، كما وضعوا في كتابهم المقدس أبياتا لتمجيدها، ووصفوها بأنها ابنة الإله، ومركز الحياة، وهي مصدر العلم… ومن أشهر أقوال المهاتما غاندي مؤسس الهند الحديثة: “عندما أرى بقرة لا أعدّني أرى حيواناً، لأني أعبد البقرة، وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع، وأمي البقرة أفضل من أمي الحقيقية من عدة وجوه، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً، ولا تتطلب منا شيئاً مقابل ذلك سوى الطعام العادي. وعندما تمرض الأم الحقيقية تكلفنا نفقات باهظة، ولكن أمنا البقرة فلا نخسر عليها شيئاً ذا بال، وعندما تموت الأم الحقيقية تكلف جنازتها مبالغ طائلة، وعندما تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل وهى حية، لأننا ننتفع بكل جزء من جسمها حتى العظم والجلد والقرون. أنا لا أقول هذا لأقلل من قيمة الأم، ولكن لأبين السبب الذي دعاني لعبادة البقرة”. وقد كتب مقطع من هذا الكلام على أشهر تماثيل غاندي في نيودلهي عاصمة الهند.

ونفهم من كلامه أن البقرة تمنحنا كل شيء ولا بد أن تأخذ حقها مقابل ذلك. ولو وافقنا غاندي على صحة هذه المقارنة، فهل يصح أن نخرج بنتيجة مفادها صحة عبادة البقرة؟!

إن هذا هو منطق الوثنيين منذ أقدم العصور، فالذين عبدوا الشمس نظروا إلى منافعها، والذين عبدوا الشجر كذلك …

ولنا أن نسأل: كيف استطاعت هذه البقرة أن تقنع عباقرة الهند بعبادتها؟

بل وأن يكون على استعداد لقتل كل من يمس قداستها وهي تموت وتأكل وتتغوط، بل وتعجز أن تدفع عن نفسها حتى أسراب الذباب المحتشد على أنفها؟ ولا تستطيع أن تنجو بنفسها من سكين الجزار حين يهم بذبحها.

فما بالك بعالم رياضيات مشهور تدين له البشرية بفضله في اكتشاف أهم وأعقد النظريات الرياضية والتي قادت بشكل مباشر وغير مباشر إلى اكتشاف البرمجة وتطور علم الحاسوب، تجده يقف أمام بقرة يتمسح بذيلها ويمرغ ملابسه بروثها! كيف استطاعت هذه البقرة أن تقنع هذا العبقري بأن يعبدها؟ ما هي “المعجزة” التي اقنعت بها البقرة هذا العالم حتى جعلته يعبدها بل وأن يكون على استعداد لقتل كل من يمس قداستها.

وردًا على دعوات التقديس الهندوسية للأبقار والقرار القضائي بحظر ذبحها، زاد عدد الأبقار بشكل لافت وباتت تهاجم المواطنين في الشوارع والمنازل، حتى تسببت تلك الأبقار في قتل العديد من المواطنين، وهو الذي حدا بالبعض لإعتبار ذلك نوع من الغضب الإلهي.

ويقول أحد المزارعين: “كنا نبيع أبقارنا بمجرد أن يجف حليبها، أو أن تصبح غير قادرة على حرث الحقول، كان ذلك بمنزلة مدخراتنا تحسبا لأوقات الشدة”.

وحتى أمد قريب، كان العديد من المزارعين يأخذون أبقارهم المتقدمة في السن إلى المسالخ، رغم قداسة البقرة لديهم، لكن الحكومة الهندية التي يتزعمها حزب بهارتيا جاناتا الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي تزعمت حملة صارمة ضد ذبح البقر، تماشيًا مع أجندة الحزب الهندوسية اليمينية، وأضحت تلك الممارسة مخالفة للقانون في 18 ولاية، كما قامت بعض الولايات بإغلاق مسالخ مخالفة للقانون، رغم أن ذلك كان يمثل مصدر دخل كبير لهذه الولايات، التي تُعد مصدّرًا رئيسيًا للحوم البقر.

كما تعرض أغلب تجار الماشية للهجوم والقتل من قبل متطرفين هندوس، وعلى إثر الهجمات، ترك العديد منهم تجارتهم خوفًا على حياتهم. ويضطر المزارعون الآن إلى إطلاق أبقارهم الكبيرة في السن أو غير المنتجة، لتسرح في الأحراش القريبة من حقولهم، وعادةً ما تهيم تلك الأبقار الشاردة على وجهها في البلدات والقرى المجاورة، ويقول المزارعون والسكان المحليون؛ إنها تتحول إلى حيوانات جائعة وشرسة، تهاجم المنازل والمزارع، وقد تقتل أو تتسبب بحوادث طرق، أو تهلك المحاصيل، وأدت تلك الهجمات إلى أن لجأت الحكومة على صياغة استراتيجيات جديدة للتعامل مع المشكلة، من خلال وضع الأبقار في ملاجئ خاصة بها.

وأصبحت مشكلة الأبقار قضية ساخنة في الانتخابات التي ستبدأ في العاشر من شباط فبراير المقبل، بعد أن تبنت أحزاب معارضة القضية، وجعلت إيجاد حل لها على سلم أولوياتها.

وأخيرًا:

لماذا يؤمن الكثير من الناس الأذكياء و”المنطقيين” بعقائد لا تمت إلى المنطق بأي صلة؟

لماذا يفصل الإنسان بين الذكاء وبين العقيدة؟، لماذا يحتكم الإنسان في العقائد إلى منطق يختلف عن المنطق الذي يستخدمه في العلوم؟

وهل يُخضع الناس عقائدهم الدينية لمحاكمات منطقية مثلما يخضعون تجاربهم الحياتية والعلمية؟

مارغريت (ناشطة مدنيّة مستقلة)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى