أخبار

نيويورك تايمز: تحوّلُ مُقاتل.. هل يستطيع أحمد الشرع أن يغيّر سوريا كما غيّر نفسه؟

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا يرصد التحوّل الجذري في مسار أحمد الشرع من قائد جهادي مسلّح إلى رئيس يسعى لقيادة سوريا نحو الاستقرار، متسائلًا عمّا إذا كانت براغماتيته السياسية كافية لترجمة تغيّره الشخصي إلى تغيير وطني حقيقي. ويخلص إلى أن نجاح هذا التحوّل لا يعتمد على إرادته وحدها، بل على قدرته على ضبط أنصاره، وبناء تسويات داخلية، والاستفادة من لحظة إقليمية ودولية متحوّلة قد تكون فرصة نادرة أو فخًا جديدًا.

وقالت الصحيفة: قبل سنوات طويلة من وصوله إلى قصر الرئاسة في دمشق، كان أحمد الشرع قائدًا لفصيلٍ جهادي مسلّح، متحالفًا مع تنظيم القاعدة. أرسل مفجّرين انتحاريين لاستهداف مواقع عسكرية، وتعهد بإقامة دولة إسلامية بالقوة.

اليوم، يرتدي بدلات رسمية، ينسّق لون ربطة عنقه مع أعلام الدول التي يزورها، ويُستقبل في البيت الأبيض.

إنه تحوّلٌ لافت، بل صادم، لكن الشرع ليس أول شخصية ذات “ماضٍ ثقيل”، على حدّ وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تنتقل فجأة من هامش العنف إلى مركز السلطة. والسؤال الذي يفرض نفسه ليس فقط كيف وصل إلى هنا؟ بل: هل يمكن لمن غيّر مساره أن يغيّر بلدًا خرج لتوّه من حرب مدمّرة؟

وسيلةٌ لا غاية

تقول فيرونيك دودويه، الباحثة المتخصصة في تحوّل النزاعات في مؤسسة برغهوف ببرلين، إن حالة الشرع تحمل عناصر فريدة. فقد وصل إلى السلطة عبر الحسم العسكري، لا عبر مسار طويل من التسويات السياسية كما يحدث عادة في النزاعات الأهلية.

ومن هذه الزاوية، تبدو سرعة انتقاله من قائد تمرّد إلى رئيس دولة أمرًا غير اعتيادي. كما أنه يقود بلدًا يخرج من حرب شاملة، مثقلًا بانقسامات طائفية وإثنية عميقة، وبمجتمع منهك اقتصاديًا ونفسيًا.

ومع ذلك، تشير دودويه إلى أن التاريخ يقدم أمثلة قد تكون مفيدة لفهم هذا النوع من التحولات. من بينها مارتن ماكغينيس، القائد السابق في الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) الذي أصبح لاحقًا نائب الوزير الأول في أيرلندا الشمالية، وكذلك نيلسون مانديلا، الذي قاد كفاحًا مسلحًا ضد نظام الفصل العنصري قبل أن يصبح رمزًا عالميًا للمصالحة.

قد يبدو تشبيه الشرع بمانديلا مستفزًا، لكن ما يجمع بين هذه الحالات، كما تقول دودويه، ليس تشابه القيم أو السياقات، بل البراغماتية السياسية: إدراك أن العنف كان وسيلةً لغاية، ومعرفة اللحظة التي يجب فيها التخلّي عنه.

وقد ظهرت، حتى الآن، مؤشرات على أن الشرع يسلك مسارًا مشابهًا.

براغماتية محسوبة

يقول جيروم دريفون، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، الذي قابل الشرع مرات عديدة خلال العقد الماضي، إن الأخير ظل إسلاميًا، لكنه قطع علاقته بتنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، ثم بتنظيم القاعدة عام 2016.

لم يكن ذلك تحوّلًا فكريًا مجردًا، بل قرارًا عمليًا. فقد أدرك الشرع، بحسب دريفون، أن تطرف هذه الجماعات وعنفها غير المنضبط كانا ينفّران شريحة واسعة من السوريين ويقوّضان قضيته.

وعندما سيطر على إدلب، أنشأ شرطة دينية، لكنه تراجع عنها لاحقًا تحت ضغط الرفض الشعبي. كما خفّف من فرض تفسير صارم للشريعة الإسلامية، خصوصًا فيما يتعلق بالعقوبات الجسدية.

إن توحيد بلد منقسم يتطلب تسويات، والتسويات تحتاج قادة قادرين على التراجع، لا التصلّب الأيديولوجي.

معضلة القاعدة الشعبية

لكن التحوّل لا يقتصر على التفاوض مع الخصوم. الأصعب، كما تقول دودويه، هو إقناع الأنصار بقبول التنازلات، وهنا تصبح المصداقية عنصرًا حاسمًا.

كثير من القادة الذين انتقلوا من العنف إلى السياسة أمضوا فترات في السجن، ماكغينيس سُجن مرتين، ومانديلا قضى 27 عامًا خلف القضبان. السجن، كما ترى دودويه، ليس فقط زمنًا للتأمل، بل شهادة تضحية تمنح القائد شرعية التراجع عن العنف دون أن يُتّهم بالخيانة.

الشرع قضى هو الآخر وقتًا في السجون الأمريكية في العراق بسبب نشاطه الجهادي، لكن ربما تكون مصداقيته الأهم نابعة من كونه الرجل الذي أسقط نظام بشار الأسد، وهو إنجاز يمنحه هامشًا سياسيًا لا يُستهان به.

وقد استخدم هذا الرصيد بالفعل لاتخاذ قرارات مثيرة للجدل داخل معسكره: الانفتاح على الغرب، اعتماد خطاب محسوب تجاه إسرائيل، والسعي إلى دعم دولي لإعادة بناء سوريا.

لكن هذه الخيارات جاءت بثمن، فقد شهدت البلاد حوادث عنف طائفي تورطت فيها قوات حكومية، إضافة إلى أعمال تطرف عنيف، من بينها حادثة وقعت مؤخرًا وقد تكون إنذارًا مبكرًا بأن الخطر الأكبر قد يأتي من داخل المعسكر نفسه، من أولئك الذين لم يغادروا منطق الحرب.

لحظة إقليمية مفتوحة

في النهاية، لا يتوقف مصير تحوّل الشرع- ولا تحوّل سوريا- على شخصه وحده، فالبيئة الإقليمية والدولية تلعب دورًا حاسمًا.

انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تزامن مع نهاية الحرب الباردة، حين فقد الغرب مصلحته في دعمه. واتفاق “الجمعة العظيمة” في أيرلندا الشمالية استفاد من مشروع الاندماج الأوروبي، الذي أعاد تعريف العلاقات بين الخصوم.

الشرع يتولى السلطة في شرق أوسط يتغير بسرعة. تراجع النفوذ الإيراني- الذي كان ركيزة أساسية لنظام الأسد- كان أحد العوامل التي سمحت بوصوله إلى الرئاسة أصلًا.

ما إذا كانت هذه التحولات ستساعده على بناء سوريا جديدة أم ستغرقه في صراعات جديدة، لا يزال سؤالًا مفتوحًا، فالمهمة ثقيلة إلى حدٍّ يجعل من الصعب تخيّل من يمكنه إنجازها بنجاح.

وربما، في مفارقة لافتة، تكون فرص أحمد الشرع- بكل تناقضاته وماضيه- أفضل من فرص كثيرين غيره

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى