بيانات ودراسات

إحاطة قانونية شرعية وطنية بشأن التعميم رقم 17 لسنة 2025

تمّ إصدار التعميم رقم (17) بتاريخ 10 تشرين الثاني 2025 عن وزارة العدل السورية الذي أثار الجدل بعد بدء العمل به في بداية شهر كانون الأول 2025 حيث ينص القرار على حصر الولاية على نفس القاصر بالعصبة من جهة الأب وإن لم يكن له صلة بالطفل ويلغي ما كان معمولاً به في المحاكم الشرعية من حيث تعيين وصي خاص على القاصر (في كثير من الأحيان والدته) لتسيير أموره ومنها استصدار جواز سفر والحصول على تأشيرة خروج لمصلحته وغيرها من الأمور المماثلة.
كان الدافع لإصدار هذا القرار هو تخفيف الضغط على المحاكم الشرعية في سوريا والعمل بالقواعد القانونية المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية السوري التي نظّمت الولاية على النفس.
لا يشوب القرار أي عيب في الاختصاص أو الشكل أو السند القانوني، لكنّ هذا التطبيق الحرفي لنصوص القانون:
1- يتنافى مع الغاية من إصدار القرار نفسه وهي تخفيف الضغط على المحاكم الشرعية، ومع روح القانون والمبادئ الدستورية العليا التي تحكم العقد الاجتماعي السوري.
لقد خلّفت سنوات من الحرب السورية آلاف العوائل المدمّرة، المشرّدة والمفككة وآلاف الأطفال ممّن فقدوا أحد الأبوين أو كلاهما، والذين هم اليوم برعاية النساء؛ أمّهاتهم من أرامل الشهداء، زوجات المفقودين أو قريباتهم من النساء (الجدّات، العمّات، الخالات، الأخوات … الخ)، وهذا ما يتناسب مع سنّة الله في الكون من حاجة الطفل لرعاية الأنثى ومن قدرة الأنثى دون الذكر على تقديم ما يلزم من العطف والرعاية.
هؤلاء النسوة القائمات على رعاية الأطفال لم تتح لهنّ الفرصة خلال سنة واحدة من التحرير للملمة جراحهنّ ولاستعادة أواصر القربى والرحم مع عائلاتهنّ أو عائلات أزواجهنّ الشهداء أو المفقودين ممّا يسهّل الوصول للولي من العصبة والتفاهم معه على تسيير شؤون الطفل دون الخشية من عضل الولي أو تعنّته لما بين الأقرباء من حساسيات ناجمة عن الحرب السورية الطويلة. وهل الذكر البعيد الذي غالباً لم يلتقِ الطفل سيكون أعلم بمصلحته من أمّه أو حاضنته التي تربيه؟
كما أنّ هناك آلاف الأطفال وخصوصاً ممّن ولدوا في المخيمات الذين لم تُصوّب أوضاعهم القانونية في دوائر الأحوال المدنيّة نتيجة غياب عقود زواج مسجّلة أصولاً أو توافر ما يثبت نسبهم قانوناً ممّا يسهّل تحديد الولي، أو من الفتيات القاصرات اللّاتي ولدن في المخيمات وتزوّجن فيها وأصبحن هنّ أنفسهنّ أمّهات لأطفال. فضلاً عن أبناء المعتقلات المغتصبات اللّاتي لا يستطعن إثبات نسب الطفل لتعذّر تحديد الأب البيولوجي له.
كلّ ذلك يحول دون تطبيق القاعدة القانونية المتصلة بالولاية على النفس خارج المحاكم الشرعية، بل سيؤدي إلى نقل النزاعات الأسرية من المجتمع إلى أروقة المحاكم وفتح باب تعسّف الولي باستخدام سلطته في مواجهة النساء والأطفال الضعفاء الذين يُناط بالدولة السورية حمايتهم وتأمينهم. كما سيؤدي إلى هدر مصالح الأطفال الملحّة والتي لا تحتمل بيروقراطية المحاكم الشرعية الذين لم يتمكّن آباؤهم من تسجيل عقود زواجهم أو تصويب وضعهم في الأحوال المدنية إمّا بسبب الفقر المدقع وعدم توافر الموارد المالية للسير بهذا النوع من المعاملات التي تتطلب أشهراً على الأقل أو بسبب تعقيد الحالة نفسها، ومثال هذه المصالح إجراء المعاملات الإدارية لمصلحة الطفل لتسهيل حصوله على التعليم، إجراء أي عمل جراحي، السفر واستصدار جواز سفر بغرض لمّ شمل الطفل مع عائلته … الخ.
2- يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء والفقه الإسلامي المعتدل المعتمد من غالبية مسلمي سوريا والذي يقول بحفظ النفس ودفع الضرر عنها ومنها نفس الطفل التي ستتضرر عند هدر مصالحه الأساسية المذكورة أعلاه أو المماطلة بها في المحاكم أو عند تحويله لورقة ضغط ووسيلة مناكفة بين الحاضن والولي، كذلك نفس الأم التي ستتألّم لألم أطفالها أو عند إهدار مصالحهم وهي التي فطرها الله للقيام بتربية الطفل ورعاية مصالحه والتي جعل الجنة تحت أقدامها وأوصانا رسول الله بالرفق بها فليس لنا أن نكسرها أو نؤذيها. هذا عدا عن أنّ قضايا الولاية والوصاية مختلف عليها في أدبيات الشريعة الإسلامية، فالبعض يرى أنّ الإسلام منح للأم الوصاية على طفلها بدلالة نصوص القرآن الكريم التي تناولت وصاية أمّ نبي الله موسى عليه السلام على ابنها.
3- يتنافى مع ما تعهّدت به الدولة السورية منذ تأسيسها أمام دول العالم ومنها دول العالم الإسلامي، وهو كفالة حقوق الإنسان وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وبإشراك النساء في مختلف جوانب الحياة العامّة، في عمليات بناء السلام والتنمية وتمثيلها تمثيلاً عادلاً وحمايتها من التمييز على أساس النوع الاجتماعي وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة، اتّفاقيات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، قرارات مجلس الأمن وأهمها القرار 1325 لعام 2000 الذي صدر بإجماع الدول الأعضاء في مجلس الأمن ومنها ماليزيا وتونس.
أيّها الوطنيون السوريون أإهانة المرأة السورية بمعزل عن إهانة الرجل السوري؟ هل تقبلون أيّها الرجال إهانة المرأة السورية التي ربّتكم وأنجبت شهداءكم وسهرت على جرحاكم وأهدتكم النصر؟ ما لكم كيف تحكمون؟!
إنّ من يدعم هذا التعميم يمتهن كرامة ابنته وأخته وأمّه، أفلا تعقلون؟!

الحقوقية لمى اللبواني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى