بيانات

بيان صادر عن الحركة المدنية السورية بمناسبة الذكرى الحادية عشر للثورة السورية

ضمن سياق ما يجري من أحداث راهنة وصعوبات تمر بها المنطقة والعالم وأوروبا (على خلاف العادة) بشكلٍ خاص. تمُر علينا الذكرى الحادية عشر لانتفاضة شعبنا وثورتهِ على منظومةٍ قمعية شمولية لا تَتمثل بالنظام السوري فقط، إنما بمنظومة أوسع وأكبر تشمل جميع بقايا الرجعية والشمولية والاستبداد ومخلفات الفاشية والقومية والعُنصرية البالية.

الشعب السوري عندما خرج إلى الشوراع مطالباً بحقوقهِ وحريته، لم يكُن يقوم بذلك لمنفعةِ السوريين أنفسهم فقط؛ بل كان يصدح بِصوت كُل مقهور ومُستَعبَد ومكموم الفم والأفكار في كل بقعة من بقاع الأرض، فكان بذلك يكسِر جِدار الرُعب والخوف والعبودية التي بَنتها الأنظمة العسكرية ما بعد الاستعمار في منطقتِنا وبقية دول الاتحاد السوفييتي المتفكك وكُل ما سبق معظمُه تم التحكم به بواسطة روسيا وما يتبعها من أعضاء نادي الاستبداد الدولي.

بعد ما تعرّض لهُ شعبنا من مجازر وجرائم على يد النظام السوري بدعم عسكري وتقني من النظام الروسي، كُنا قد حذّرنا وصرخنا بأعلى صوتِنا تنبيهاً للعالم إلى خطر جرائم النظام الروسي وما يمكن أن يقومَ به لتنفيذ سياساتِه وأجنداتِه الخاصة بعيداً عما يُروِج له، ولكن لا حياة لمن تنادي وتجاهل الجميع المجازر والانتهاكات الصريحة والعلنية لحقوق الإنسان إلى أن وصل الخطر الداهم إلى أبواب أوروبا، ولم يتوانى بوتين عن إشعال فتيل الحرب بهجومهِ واعتدائهِ على أوكرانيا، لذلك نُحذِر من احتمال وقوع مجازر بحق الإنسانية وجرائم تَنتِهك بكل وقاحة جميع الأعراف والقوانين الدولية؛ فليسَ من مصلحة لأي طرف تكرار السيناريو السوري سوى النظام الروسي وعملائه وسوف بذلك تكون بداية لمسلسل طويل من الأزمات والحروب إذا لم يتم التوصل إلى قرار دولي بوضع حد لانتهاكات روسيا في الدول المتضررة من اعتداءاتها ودعمِها المباشر للأنظمة الإجرامية فيها.

بعيداً عن الساحة الدولية والحروب الإقليمية وباستعراضِنا لواقع شعبنا السوري بعد إحدى عشرة سنة من خروجه للشارع ووقوفِه بوجه الآلة الحربية والمنظومة الإرهابية للنظام، نرى أن واقعنا لا يُمكن حَصرُه وتعريفه بنطاقٍ مُعين، فتارةً نرى مُقاتِلين سُوريين في ليبيا وتارةً في أوكرانيا مؤخراً تم إرسالهم من قِبل النظام وزُجّ بِكِليهما في خدمة مصالح مُشغلِيهم كمرتزقة لا يأبهون بقضِية شعبنا ولا لنضِاله وتشويهاً لسمعته. وفي قيامهم بذلك هم ليسوا سوى وَصمة عار ولا يُمثِلون سوى أنفسهم، ونرى بكل وُضوح مدى تشرذُم ما يُدعى زوراً وبهتاناً بالمعارضة السورية (المُزَيفة) المُتسلِقة بتعريفاتِها المُختلفة والتي تُشكل أزمة للشعب السوري تماماً كالنظام، ونرى كذلك ما يُعانيه أبناء وطنِنا في المناطق المُحررة الشَمالية والشرقية من انتهاكاتٍ لحقوقهم الإنسانية ووقوعهم تَحت حُكم ميليشات مُتطرفة مُسلحة لا تُمثل الثورة ولا تعمَل لأجل حُرية وكرامة أبناء شعبها. لكن كما النظام ومِيليشياتِه؛ فهُم يعمَلُون لأهدافِهم وأجنداتِهم الخاصة بهم بعيداً عن كُل ما طالبَ به السوريون من حقوق وحريات وعدالة اجتماعية، وليسَ الوضع بالأفضل سواء في مناطق سيطرة الجيش التركي أو في شمال شرق سوريا تحت حكم قسد. فلا يزال يَرِد إلى مسامِعنا ما يتعرض له أبناء شعبنا في تلك المناطق من تعديات على حقوقهم وكرامتهم. كُل ما حَصَلَ من جرائم باسم الثورة والشعب السوري، ثورتنا وشعبُنا منهم براء.

من خلال مُتابعة ما يجري وما سبق ذكره نلحظ مدى تعقيد الوضع السوري ومدى تشابُك ملفاته وضبابية مساراته، ولكن مع كل ذلك فالكثير من السوريين ومنهم الموجودين في مناطق النظام ما يزالون مُؤمنون بالثورة ومبادئ الحرية التي نادى بها الجميع على اختلاف خلفياتهم منذ إحدى عشرة سنة.

وبمرور كل سنة نرى بوضوح تكوين تصور لدى شريحة ونسبةٍ لا بأس بها من الشعب لِما قد يكون الحل للمعضلة السورية من جانبها المتعلق بالشرخ الحاصل بين مختلف فئات ومكونات الشعب على اختلاف ثقافاتهم ولُغاتِهم ولهجاتهم وأعراقِهم، فهذا الاختلاف يُعتَبر سلاح ذو حدين وقد استثمرهُ النظام في تثبيت حُكمِه القائم على سياسة فرق تسد وتقديم نفسه بصورة راعي الأقليات، لكن كما هو الواقع فهو يُعتبر سفاح الأقليات الذي رمى بهم ليكونوا حَطَباً يرمِيه لإشعال نيران حرب كانت دائرة بين طالبي الحرية وجلادي السجون والمُعتقَلات وحَوَلها إلى ما يُشبِه حرب أهلية بين جميع مكونات مجتمعنا السوري.

وحل هذه المعضلة كما ذكرنا سابقاً هو تعزيز الفكر المَدني وترسيخ مفاهيم المُواطنة وتأصيل معنى الحرية والعلمانية بما يتناسب مع خصوصية سوريا ومكوناتها وليس كقوالب جاهزة مُستوردة من دول أخرى. ونحن في الحركة المدنيّة السُورية نسعى وبكامل جُهدنا لإحياء الفكر المدني وخلق مساحة لتبادل جميع الآراء ونُرحِب بكامل السوريين على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم وخلفياتهم طالما هم مؤمنون بالحراك المدني واعتباره حجَرَ الرّحى في الأزمة التي نعاني منها، نعم نحن نُعاني من أزمةٍ عميقة ومتجذرة في مجتمعاتنا والتي عمِل النظام على ترسِيخها منذُ استِيلائِه على السُلطة، فمن إحدى أهم الخطوات في طريق حل الأزمة السورية والخُروج من المستنقع الآسن الذي تم وضعُنا به هو خَلق جُسور تفاهم وتبادُل ثقة بيننا جميعاً طالما كُلُنا نَسعى لتحقيق أهدافٍ إنسانية مُحِقة وعادلة تهدُف إلى تعزيز وتمكين حقوق الإنسان وسُبل عيشِه الكريم المبني على أُسس العدالة الاجتماعية والحرية.

الحركة المدنية السورية
الثلاثاء 15 آذار 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى