أخبار سوريا

نظام الأسد وخفايا التغيير الديموغرافي من خلال إعادة تنظيم مدخل دمشق الشمالي

أثار المرسوم الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل عدة أيام، بإحداث منطقة تنظيم مدخل دمشق الشمالي، الكثير من اللغط بين أوساط المراقبين والمحللين، وخصوصاً بعدما خرج أحد المسؤولين في محافظة دمشق، ليعلن بأن المرسوم، يدخل ضمن القانون رقم 10، السيء الصيت، الذي صدر عام 2018، والذي تم من خلاله الاستيلاء على عقارات السوريين المغادرين للبلد، بحجة إعادة التنظيم، بينما لم يشر المرسوم الحالي صراحة إلى أنه يدخل ضمن هذا القانون.
اللغط سببه أيضاً، أن المنطقة التي يهدف المرسوم لإعادة تنظيمها، وتبلغ مساحتها نحو 2000 دونم، لا يوجد فيها الكثير من أبنية المخالفات، وإنما أغلبها يوجد فيها سندات ملكية خاصة، بعكس الحجة التي تم إصدار القانون رقم 10 على أساسها، وتم من خلالها إقامة منطقتي “ماروتا سيتي” – شرقي المزة، و”باسيليا سيتي” -على المتحلق الجنوبي، والتي هي بالفعل كانت مناطق عشوائيات. لكن الأمر في منطقة مدخل دمشق الشمالي، مختلف تماماً، إذ أنها منطقة تتميز بوجود العشرات من المعامل الكبيرة فيها، كما أنها تعتبر امتداداً لمناطق “جوبر وعربين والقابون وعين ترما”، التي صدر في السابع من الشهر الجاري المخطط التنظيمي الجديد لها، والتي لعبت دوراً كبيراً في الثورة على نظام الأسد لدى انطلاقتها في عام 2011.
الخطير في الموضوع، بحسب ما يقول المحلل الاقتصادي “رائد الرفاعي”، في تصريح لـ “اقتصاد”، أن مرسوم إعادة تنظيم مدخل دمشق الشمالي، طلب من أصحاب الملكيات الخاصة أن يتولوا مهمة هدم وإعادة بناء ملكياتهم، وفقاً للمخطط التنظيمي الجديد للمنطقة، أو أن يوكلوا الأمر لأحد المتعهدين أو المستثمرين، وهو ما يعني أن التكاليف التي سيتحملها صاحب العقار ستكون كبيرة جداً في هذه الحالة، فهو من جهة خسر عقاره بالكامل، ومن جهة ثانية مطلوب منه تحمل تكاليف الهدم والبناء من جديد.
ويرى الرفاعي، الذي يعمل مستشاراً في أحد الشركات العقارية بدمشق، أن هناك تحول خطير في القانون رقم 10، الذي أثار سابقاً زوبعة وصلت أصداؤها إلى وسائل الإعلام العالمية، وعلق عليه رؤساء دول كبرى، كونه يحرم اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم في المستقبل، نتيجة خسرانهم لعقاراتهم، لافتاً إلى أن التحول يمكن قراءته في الإيضاحات التي قدمها، عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، فيصل سرور، لوسائل إعلام النظام، حول المرسوم الذي أصدره بشار الأسد، بخصوص تنظيم مدخل دمشق الشمالي، إذ أنه أشار صراحة، ويقصد سرور، إلى أن التحول هو بنسبة الـ 20 بالمئة التي ستحصل عليها المحافظة من كل عقار، لقاء خدمات البنية التحتية، ما يعني بأنها سوف تصبح شريكاً لمالك العقار، بينما في مدينة “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”، فكانت المحافظة تحصل على رسوم نفقات فقط.
واعتبر الرفاعي في ختام تصريحاته لـ “اقتصاد”، أن مرسوم إعادة تنظيم مدخل دمشق الشمالي، هو أشبه ما يكون بدعوة صريحة لأصحاب الملكيات الخاصة في تلك المنطقة، لبيعها لمستثمر آخر قادر على الإنفاق عليها، دون أن يخفي خشيته، بسبب أن ما يتردد حالياً في كافة الأوساط الاقتصادية، بأن هناك مستثمرون إيرانيون، ترنو عيونهم لشراء المزيد من العقارات في سوريا، سيما وأن كافة مناطق إعادة التنظيم العقاري التي تم الإعلان عنها حتى الآن، تتميز بموقعها الاستراتيجي، الذي يهدف لتطويق دمشق من جهاتها الثلاث.
من جهته، يقول الصحفي في إعلام النظام “ف، ك”، لـ “اقتصاد”، بعد أن طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الخطة التي يعتزم النظام تنفيذها بدمشق، هي إفراغ كافة المناطق التي لعبت دوراً كبيراً في الثورة عليه، واستبدال سكانها بآخرين، يشكلون طوق حماية بالنسبة له، يضمن من خلالهم البقاء في السلطة إلى أمد مفتوح.
وكشف “ف، ك” أن النظام سوف يضع كافة العراقيل أمام السكان الأصليين في مناطق إعادة التنظيم العقاري، لكي يرحلوا عنها، وسوف يمارس عليهم ضغوطاً كبيرة من أجل دفعهم لبيع ممتلكاتهم للمستثمر الجديد، الذي على ما يبدو أنه جاهز ومستعد لدفع الثمن، مشيراً إلى أنه من خلال الإطلاع على تجربة “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”، فإنه جرى الاتفاق مع الشاغلين القدماء للعقارات الموجودة في تلك المنطقتين، على أن مدة تنفيذ المشروعين هو 4 سنوات، وبناء عليه تم دفع بدلات إيجار بخسة لهم، للسكن في مناطق أخرى على هذا الأساس، بينما مشروع “ماروتا سيتي” الذي تم بدء العمل به في عام 2016، وكان من المفترض أن ينتهي عام 2020، لا يزال العمل به مستمراً حتى الآن، ولا أحد يعرف متى يمكن أن ينتهي، وهو ما دفع الكثير من أصحاب الملكيات السهمية في هذا المشروع، لبيع أسهمهم، من أجل تغطية نفقات إقامتهم في مواقعهم الجديدة، والتي تم اختيارها بعناية، على أن تكون بعيدة عن دمشق.
وبخصوص مشروع إعادة تنظيم مدخل دمشق الشمالي، يرى “ف، ك” أنه ضربة كبيرة للصناعيين بالدرجة الأولى، كون المنطقة تحوي عدداً كبيراً من المصانع المهمة، وبالتالي فإن النظام وكأنه يدفع هؤلاء للهجرة من البلد عنوة، لأن بعض المصانع بحسب قوله، تبلغ تكلفتها عشرات ملايين الدولارات، فيما التعويضات المطروحة، بخسة، ولا تغطي الخسارة التي سيتكبدها صاحب المنشأة، بالإضافة إلى أن لجان التقويم للحصص السهمية التي تنوي المحافظة تعيينها، هي أكثر ما يخيف الصناعيين، لأن تجاربهم مع مثل هذه اللجان، مرعبة، وهي غالباً ما يتم وضعها بهدف إضاعة الحقوق، وليس إنصافها.
وكان نظام الأسد قد أصدر عام 2012 مرسوماً حمل الرقم 66 الذي يقضي بتطوير منطقتين عقاريتين ضمن دمشق، هما “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”، لكنه أصدر في العام 2018 تعديلاً على المرسوم 66 من خلال القانون رقم 10، الذي أدخل مناطق عقارية جديدة للتطوير، وهي مناطق المخالفات والعشوائيات، مثل القابون وجوبر وبرزة، وغيرها من مناطق المخالفات المحيطة بدمشق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى